كثرت «اللحظات التاريخية» في ايامنا الصعبة هذه, وثقلنا التاريخ بما ننسبه اليه من أحداث, وخطابات, وانعطافات, حتى انه ليئن تحت ثقل ما ننيطه به, وينوء بالدعاوى التي تعلّقها عليه.
نحن في امس حاجة وافقر اضطرار الى أن نجل التاريخ عن أن يكون مشجباً نلقي عليه مبالغات النفاق ومقتضيات الارتزاق, كما ان بنا حاجة لا تقل اهمية عن ذلك الى أن نحترم عقولنا وننزّه ضمائرنا عن الانخراط في طقوس الدّهان التي طالما لبّست على أمتنا وخدعتها عن حقائق واقعها.
لقد قمنا–بأيدينا وأيدي المتربصين بنا–بايجاد قطيعة مع تاريخنا الحي, ففقدنا القدرة على انجاز «لحظة تاريخية» يمكن للعالم أن يعترف بها. فاذا نحن اردنا امتلاك هذه القدرة من جديد فإن من منطق الاشياء أن نصل ما انقطع, وأن نصبح أمة حيّة مرة اخرى, أمة فاعلة لا منفعلة, أمة تعي ذاتها وصفاتها, وتحقق حضورها المكافئ لرسالتها في العالمين.
واذا كان بعض اللاهثين في غبار الغرب المستعمر يرون أن انضواءنا تحت لواء العولمة (التي تمثل اخر تجليات النفوذ الغربي في العالم) هو السبيل الى دخولنا التاريخ, فإن ذلك محمول عندنا على جملة من الاعتبارات اقلها الجهل وقصر النظر, وأبعدها فداحة الحرابة على الامة ومواطأة اعدائها.
ونحن, في كل حال, أمة لن يصلح حال آخرها إلا بما صلح به أولها. وما ذلك في اوجز تعبير الا الاسلام الحق, إسلام القرآن الكريم الذي كان ذكراً (أي شرفاً) للرسول المصطفى محمد ولقومه العرب ولكل من استنار بهديه من الأمم.
دخول التاريخ وتحقيق لحظات حاسمة فيه مرهون اذن باسباب ذاتية فينا لا بما يدّعيه المبهورون بالغرب أو بالشرق, ولعل تدبّراً مليّاً في آية المشكاة من كتاب الله أن يضعنا في قلب المسؤولية من مهمة الاستنارة الذاتية في «الأمة الوسط» حيث يقول سبحانه وتعالى: «الله نور السماوات والارض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح المصباح في زجاجة الزجاجة كأنها كوكب درّي يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار. نور على نور يهدي الله لنوره من يشاء»..
لقد استوقفت هذه الآية الكريمة كبار المفسّرين والمفكرين والفلاسفة والمتصوفة (انظر تTسير الرازي الكبير, وأنظر «مشكاة الانوار» للإمام الغزالي, وانظر «تجديد الفكر العربي» لزكي نجيب محمود) ووجهت انظارهم الى معنى الامة الوسط الشاهدة على الامم بنور الفطرة السليمة ونور الايمان, وهو معنى نتنوّره اليوم ونفيء اليه ونصدر عنه في تصوّرنا لكيفية استعادة حضورنا اللائق برسالة الرحمة التي دخلنا بها تاريخ الانسانية بهدي قرآننا العظيم.
ومن لم يجعل الله له نوراً فما له من نور.
الرأي