لما كانت حركة الاصلاح في المجتمع تبدأ دائما بالاصلاح الاداري فان اولويات الاصلاح لابد ان تعمل من خلالها، لما تشكله من اهمية في بناء حركة الاصلاح الشامل، فالاصلاح الاداري يعتبر مفتاح الحل لكل المعضلات المعيشية التي قد يعاني منها المجتمع او تلك التي تتطلب مساراتها التنموية تطورا او حتى التي تستلزم روافدها الاقتصادية دعما او بعض جيوبها الادارية معالجات، لذا يرتبط مقياس نجاح الدولة بالعنوان الاداري الضابط لمفاتيح ابوابها والذي عادة ما تشكله القوانين والانظمة، فكلما كانت المفاتيح ملائمة فتحت معها ابواب العمل بسلاسة وحملت منافع مجتمعية افضل وعوائد تنمية اكبر.
ولان ابرز التحديات التي تواجه حركه التنمية والنماء في المؤسسات العامة للدولة هو تحدي الترهل الاداري وسوء في التوظيف المهني الذى بحاجة الى اعادة في ضبط عملية الكم الكبير في الموارد البشرية على ان يتم توظيفها في رافد اخر ومتمم للعمل بما يجعل من اداء المؤسسات العامة اكثر منفعة لحركة الانتاج وكما يسهم في تقليل حجم النفقات في ميزان النفقات الجارية لصالح النفقات الراسمالية، حيث مازال مؤشر الموازنة يشير الى ان اكثر من 90 % من الموازنة العامة نفقات جارية نتيجة تضخم الجهاز الاداري مما افضى الى ثقل في الحركة.
ولان الهندرة تقوم على اساس هضم المركبات الموجودة وتوظيف الموارد المتوفرة في اطار الاستراتيجية المراد تنفيذها ووفق هيكلية ادارية ووصف وظيفي ونظام ضابط، فان العمل على تجسيد ذلك يقوم عادة على تشكيل المؤسسات الفرعية المنبثقة عن المؤسسة المركزية الام والمؤطرة فيها، على ان يتم ترجمته وفق منهجية موضوعية في ادائها وبرنامج عمل يستند للرؤية الواضحة والتخطيط الهندري وكذلك عبر اختيار فريق العمل بمهنية منسجمة مع الوصف الوظيفي المعد بهدف الوصول بالانتاج الى استهدافاته المتوقعة وبالانجاز الى غاياته المعلومة، وذلك وفق متوالية من الهندسة الادارية التي يقوم على كاهلها مسألة تشكيل المؤسسات الرافدة للعمل في اطار المؤسسة الام في مسعى يتم توظيف الكم في اطار الهيكلية الفرعية المنضبطة على ان يكون ذلك في اطار المخطط الهيكلي الشامل للعمل، وهذا ما يؤدي الى نقل كم المواد البشرية الذي يعيق حركة التنمية الى ميادين اكثر قدرة على الانتاج ومقدرة على العطاء ووفق مناخات ترتقي بمستويات الانتاج وميادين التنمية وترفع من معدلات النمو المستهدفة.
ولان الهندرة بحاجة الى حمايات تحميها من الادخال غير المتوقع والتداخل الضمني العارض، فان العمل على ايجاد حمايات تحمي برنامج التعامل ومنظومة العمل من مغبة الاسقاطات اللاموضوعية، يشكله غالبا برنامج الاصلاح السياسي الذى بدوره يوفر الدعائم اللازمة لتوفير الحمايات الشعبية القادرة على حماية هذه المنظومة من عمليات التجوية جراء حالات الفك والتركيب التي تعتري نهج التعينات، فان خير الدروع هو ذلك الدرع الذى تكونه الحماية الشعبية كونها ستشكل حماية اكيدة للمنظومة واستقرارا محدودا لكنه معلوم لخطة العمل الموضوعية فلا يطالها اختراق او ينال منها المزاج العام.
من هنا تاتي اهمية الهندرة السياسية في بناء منظومة مؤسسية قادرة على العمل واصلاح الخلل وايجاد حمايات ضامنة للعمل المؤسسي والمنهجي، وهذا بحاجة ايضا الى ايجاد اطار يضمن سياسة تراكم الانجاز ويمتلك استراتيجية بناء عاملة على فتح ابواب الاصلاح وفتح ميادين التنمية.
الدستور