كنت مغرماً بمتابعة حلقات المسلسل التلفزيوني البريطاني «حكايات غير المتوقّع» (Tales of The Unexpected) الذي كان يبثّ على التلفزيون البريطاني (1979-1988) لما كان فيه من تشويق وجاذبية وإثارة لتفكير المشاهد. وكانت كلّ حلقة مستقلّة عن سائر الحلقات لأنّها تقوم على قصّة جديدة. وقد سمّي المسلسل بهذا الاسم لأنّ فكرة كل حلقة فيه تعتمد على مبدأ مخالفة النتائج للمقدّمات وبالتالي مخالفتها للتوقّعات.
غير أنّ هذا المسلسل سلاحٌ ذو حدّين، فهو من جهة يحثّ المشاهد على التفكير والتوقّع والبحث عن الخيوط الخفيّة أو غير البارزة التي قد تقود إلى النهايات أو النتائج غير المتوقّعة. ومن جهة أخرى يؤدي إلى الشعور بالإحباط عند المشاهد وتعطيل قدرته على الحكم على الأشياء أو توقّع مساراتها، وهي مسألة خطيرة قد تؤثر على حياته ومواقفه من الناس وممّا يدور حوله من أحداث ووقائع، وتؤدي إلى التأني المفرط والضارّ عند إصدار الأحكام، فالتأخير الزائد في إصدار الأحكام لا يقلّ ضرراً في نظري عن التسرّع الزائد في إصدارها.
تذكّرت هذا المسلسل وأنا أتابع الأحداث الأخيرة التي تعصف بالمنطقة لأننا في كثير من الأحيان نرى مقدّمات كثيرة لنتائج لا تتحقّق، فنصاب بالحيرة أحياناً وبالدهشة أحياناً أخرى وبالصدمة والإحباط تارة ثالثة. إنّ العبث الإعلامي والتخبط السياسي وتقنيات الحرب النفسية المستخدمة في هذه الأحداث هي التي تجعلنا نرى مقدّمات غير حقيقية وتجعلنا نتوقع نتائج غير صحيحة.
إنّ هذه الحالة متعبة للذهن ومربكة للتفكير وتعيق القدرة على الاستنتاج الصحيح، لأنك قد تتوقع شيئاً تقوم عليه أدلّة ومؤشرات كثيرة، لكنك سرعان ما تجد النتيجة مخالفة لكل توقعاتك.
غير أنّ الوجه الإيجابي لمثل هذه الحالة، أنّه مثلما تكون التوقّعات إيجابيّة والنتيجة المتحققة سلبية، فإنّ هذه الحالة تتيح الفرصة لأن تكون التوقعات سلبية والنتائج المتحققة إيجابية. وهذا مبعث لشيء من التفاؤل. لذلك أرى أنّه لا ينبغي لنا أن نوصد الباب تماماً أمام آمالنا وأحلامنا وطموحاتنا، فربّما تتحقّق هذه الآمال من خلال ما نتوقعه من الشرور والمصائب التي تلاحقنا أو تحيط بنا.
فالماء كما يقول شاعر الأندلس ابن زيدون ينبجس أحياناً من الصخر.
ولعلنا في غنى عن سرد أحداث في تاريخنا المعاصر عن توقّعات تحولّت إلى أوهام ولم يتحقّق منها شيء، وآمال نبتت وسط محيط من اليأس والإحباط، وإن كانت الحالة الأولى أكثر حضوراً من الثانية في واقعنا المعاصر. وما ينطبق على الدول والمجتمعات وأحوالها في هذا الشأن ينطبق كذلك على الأفراد في علاقاتهم ومشاريعهم وبرامجهم وتقلّبات أحوالهم.
الرأي