الملك يضع أوروبا أمام مسؤولياتها
محمد يونس العبادي
15-01-2020 09:28 PM
يعود جلالة الملك عبدالله الثاني، بعد خمس سنوات ليخاطب القارة الأوروبية من خلال أهم بواباته وهو البرلمان الأوروبي.
فالخطاب الأول لجلالة الملك كان في منتصف أذار من عام 2015، ويأتي الخطاب الثاني اليوم حاملاً هموم المنطقة ومختزلاً المتغيرات التي مرت بها منطقتنا في الأعوام الأخيرة.
وقبل الحديث عن دلالات الخطاب والرسائل التي تضمنها، لا بدّ من الإشارة إلى دلالات المكان والمتحدث (جلالة الملك)، فالبرلمان الأوروبي هو أعلى سلطة تشريعية في هيكلة الإتحاد، ويمثل الأعضاء المنتخبون فيه نتاج أكبر عملية انتخابات غير وطنية ديمقراطية في العالم.
والملك عبدالله الثاني هو أول زعيم عالمي يخاطب البرلمان الأوروبي بعد إعادة انتخابه، وفي هذه دلالة الأهمية السياسية والخطاب الملكي الذي شكل مفردات للوسطية والإتزان، وهو صوت الإسلام الحقيقي.
وهذه الدلالة تعبر عن المكانة التي حملها الأردن وترجمها جلالة الملك، وهي في الوزن السياسي العالمي، تعبر عن رمزية ما يعبر عنه جلالة الملك من صوت معتدلٍ ووسطي قادر على صياغة رؤىً يمكن ترجمتها.
أما الخطاب الملكي، والذي استمر لـ 11 دقيقة تقريباً فقد أجمل هموم الملايين في منطقتنا العربية، وأبرزها التحول الذي وفرته منصات التواصل الاجتماعي والتحركات التي شهدتها مدن منطقتنا العربية.
والملك يجترح الأسئلة العميقة في ذهنية صانعي قرار الإتحاد الأوروبي، من جوهر الهموم المثقلة والتي محراكها هم الشباب الذين يشكلون الفئة الغالبة بالمنطقة.
إنّ خطاب قائد هاشمي، تحمل أسرته إرثاً ضارب الجذور، جاء في توقيت يشهد فيه العالم لحظة تاريخية تتمثل في إعادة صياغة الأيديولوجيات العالمية ووجهات نظرها، ولكن المسؤولية تجاه الناس وآمالهم ومخاوفهم هي القاسم المشترك بين الأردن والعالم.
فالملك بسط آمال وهموم الإنسان العربي، مجترحاً أسئلة عميقة تضرب في عمق مشاهد من حياة الناس وأسلوبها وهمومها، وما تتضمنه يوميات الإنسان العربي والتي أعمقها غياب حل الدولتين والتي تشكل مفتاح الحل في الشرق الأوسط واستقراره.
أما القدس فقد حظيت بتعابير لخصت حالتها وحملت صلتها الروحانية بالهاشميين، الذين خبروا الحكم منذ 800 عامٍ أهمية المدينة وما يعني حرمان المسلمين والمسيحيين "روحانيتهم وعيشهم المشترك وما ترمز إليه".
إنّ الأسئلة التي اجترحها الملك شملت مخاوف تهدد استقرار المنطقة بأسرها، حيث "الصراع الأمريكي الإيراني" وأزماتها إن تداعت وصولاً إلى أسواق الطاقة وصعود التطرف.
ولأنّ المخاطب هو ممثلي القارة الأوروبية، فقد حضرت هموم العرب كافة فالعراق كان حاضراً بهمومه الكبيرة، ومستقبل العراق الذي بات بين مطرقة المستقبل والواقع، بالإضافة إلى سوريا وما تشهده من صراع أهلي.
وفي سوريا تحديداً حاول الملك أنّ يلقي الضوء على أزمةٍ انسانية هناك غائبة عن الإعلام حيث معاناة إنسانها، حيث حذر الملك من أزمة أخرى، مستحضراً أكثر المشاهد معاناة وهي صورة الطفل الذي يحاول الهجرة على الشاطئ، متناولاً أزمة أخرى وتحذيراً مما يجري في ليبيا.
والخطاب الملكي، طرح التساؤل الأكثر إلحاحاً في منطقتنا وهو سؤال الحل : ماذا لوفشلت الحكومات العربية في توفير 60 مليون وظيفة يحتاجها الشباب خلال العقد المقبل؟ ويكرر سؤال الفشل في ذلك وتداعياته.
الملك، اجترح أمام الأوروبيين سيناريوهات تخاطب المخيال لحماية الشعوب العربية التي وصلت معاناة بعضها إلى حدود كبيرة.
وبلغة العربي الشرقي المؤمن، كان لكلمة "الصبر" ودلالاتها الحضور، حيث إن صعوبة هذا الأمر تتزايد في منطقتنا.
إن الملك استحضر دلالات كثيرة، وعرض أمام أوروبا وممثليها شكل الطريق الذي يمكن إلى المستقبل ويجنب المنطقة والعالم ويلات أخرى متزايدة.
وسيبقى هذا الخطاب وتعابيره، وما لاقاه من حفاوة ووزن أردني، يعبر عنها الدعم الذي أعلنت عنه رئيسة المفوضية الأوربية أورسولا فون بتعزيز الشراكة مع الأردن وتقديم دعم بـ 500 مليون دينار، هو موقف أوروبي يترجم أهمية الزيارة بالنسبة للأردن والمنطقة كافة.
إن الملك في زيارته اليوم إلى أوروبا وما تضمنته من لقاءات مع سياسييها، وفي لحظة فارقة من عمر القضية الفلسطينية، وقضايا المنطقة المتشعبة، يعيد صياغة رؤىً دولية تجاه مصالحنا العربية.. وسيذكر المؤرخون طويلاً وسياسي اللحظة الراهنة أهمية هذا الجهود وثمارها ويقرأوها في مواقف ستعاند تحولات يحاول فرضها يمين متطرف بدأ صعوده بالهبوط.
حمى الله الملك .. ودام الصوت الهاشمي العربي المسلم ، فهو خطاب جسر المسافات والهوة أمام أقرب الشعوب جغرافياً للعرب وللمنطقة، ووضعهم أمام مسؤوليتهم الأدبية والسياسية والتاريخية والجغرافية والانسانية والأخلاقية.