يبدو ان خلافات الاخوان والحكومة- في جولته الحالية - ليس كالخلافات مع سابقاتها من الحكومات ، فتلك الخلافات كانت موسمية وظرفية وكانت تندلع لسبب محدد لكنها سرعان ما كانت تزول وتطبع العلاقات بين الطرفين خلال فترة وجيزة.لكن الخلافات بين الاخوان وحكومة البخيت في مرحلتها الحالية يبدو أنها من العمق بمكان وان إطرافا عده تتحكم في طبيعتها وترغب بان تبقى قائمة .
وان كانت العلاقات تأزمت مع تعين زكي بني أرشيد أمينا عاما لحزب جبهة العمل الإسلامي الذراع السياسي للجماعة فان أسبابا عدة سارعت في وضع خطة حكومية تهدف لتقليم أظافر الجماعة ليس أولها الضغوط الدولية التي يتعرض لها الأردن من قبل الولايات المتحدة الأمريكية في سبيل مكافحة الإرهاب حيث يسود اعتقاد لدى مؤسسات نافده في الولايات الأمريكية بان جماعة الاخوان هي حاضنة ومفرخة للارهابين وان نفوذها بدء يتسع في منطقة الشرق الأوسط في ظل غياب منافس حقيقي لها من الجماعات الإسلامية خاصة في الأردن ومصر.
فالولايات المتحدة الأمريكية سائرة في سبيل إقرار مخطط الشرق الأوسط الكبير الذي خطط له نفر من المتطرفين اليمينين الامريكين بإشراف نائب الرئيس الأمريكي ديك شيني الذي يمهد من خلال المشروع المذكور الى جعل منطقة الشرق الأوسط مهيأة لاستقبال الحلم الصهيوني الكبير وهو إقامة الهيكل المزعوم مكان المسجد الأقصى سيما انه من المؤمنين بعودة المسيح وان المسيح لن يعود بعيد إقامة الهيكل كما يعتقد شيني.
ناهيك عن وجود مجموعة من الظروف الداخلية التي دفعت بالعلاقة الاخوانية – الحكومية الى المواجهة المعلنة لعل أهمها اعتقد الحكومة بان الجماعة باتت تحكم من قبل مجموعة من المتشددين وان هؤلاء الأشخاص باتوا يسيطروا على كافة مفاصل الجماعة وإنهم نجحوا بتعين زكي بني أرشيد في امانة حزب جبهة العمل الإسلامي ونجحوا أيضا بتنحية المراقب العام السابق لجماعة الاخوان عبد المجيد ذنيبات الذي كان يحظى باحترام الأجهزة الرسمية ورأس النظام الملك عبد الله الثاني بن الحسين الذي شرف ذنيبات بعد إزاحته من سدة الاخوان في بيته وقد فسر البعض الخطوة الملكية بأنها تأيدا للصف المعتدل في الاخوان على حساب الصف المتشدد الذي بات اكثر حضورا في مفاصل الجماعة كما ترى شخصيات حكومية نافذة.
لذا لا اعتقد ان تنتهي الخلافات الاخوانية الحكومية قريبا لا بل ان هذه الخلافات مرشحة لمزيد من التصعيد في ظل رفض الحكومة رفع يدها عن جميعه المركز الإسلامي وعن الفروع التابعة لها لا بل ان الحديث يدور عن خطة حكومية لتعميم نموذج المركز الإسلامي على جميع الجمعيات والهيئات التي تتبع للإخوان وتقليم أظافر الجماعة بحيث لا تعود قادرة على استقطاب الجماهير من خلال الخدمات الاجتماعية التي تقدم لهم.
هذا من جانب العمل الاجتماعي إما من جانب العمل السياسي فان الاخوان بين فكي كماشة – على ما يبدو- فهم قرروا خوض الانتخابات البلدية في عدد من البلديات لكن الواضح ان الأمور لا يسير بما يرضي الاخوان خاصة في الزرقاء حيث الانتقادات الاخوانية الكثيرة والكبيرة لما جري ويجري خلال عملية تسجيل الناخبين حيث سجل الاخوان مئات الملاحظات على هذه العملية وهدد رئيس لجنة الانتخابات في حزب الجبهة نمر العساف بالانسحاب من الانتخابات البلدية مما سيساهم بتعقيد العلاقة بين الطرفين لو حصل ذلك ويدفع بمزيد من المواجهة بين الطرفين اللذين ينظر كل منها للأخر بريب وشك.
إذا فالعلاقة الاخوانية – الحكومية مرشحة نحو مزيد من التعصيد فالإخوان ان استمروا في المشاركة بالانتخابات البلدية سيكون لهم الكثير من الملاحظات وقد لا يعجبهم نتائج هذه الانتخابات وهذا سبب للتصعيد وان انسحبوا أيضا فالعلاقة مرشحة لمزيد من التصعيد، إذا التصعيد حاصل سواء انسحبوا أو بقوا.
فالشك والريبة وعدم الثقة بين الطرفين دفعت العلاقة للتازيم على الرغم من ان الاخوان يؤمنون إيمانا قاطعا بالنظام الملكي ولم يتحدثوا يوما من الأيام عن تغير النظام ولم يطرحوا ذلك في أدبياتهم لكن توسع النشاطات الاخوانية وتغير بعض قواعد اللعبة دفع بتازيم العلاقة القائمة ما بين الطرفين ودفع بالمتطرفين من كل جانب للمناداة بالمواجهة وهي مواجهة ستكون حتما في غير مصلحة الوطن الذي اتسع دوما للجميع بمختلف مشاربهم الفكرية وانتماءاتهم الحزبية.
ولو كنت مكان قيادة الاخوان لاخترت الانحناء للعاصفة في هذه المرحلة على الأقل ولاخترت طريقة جديدة لإدارة اللعبة السياسية تدر خسائر اقل من تلك التي حظيت بها الجماعة خلال الفترة الماضية.