هل نحتاج الى سلطة تشريعية؟
د. عادل يعقوب الشمايله
15-01-2020 09:38 AM
لو انه جرى استفتاء على ما ورد في عنوان هذا المقال "هل نحتاج الى سلطة تشريعية" فإن من المتوقع ان تجيب الغالبية من الاردنيين بالنفي بناءا على تجربتهم لحال الدولة وانجازاتها في السبعينات والثمانينات من القرن العشرين، حيث كانت السلطة التشريعية معطلة، وبين حال الدولة في ظل وجود السلطة التشريعية منذ عادت ولحد نهاية العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين. خلاصة تقييمها سلبية بكافة المقاييس. فقد أسهمت إلى حد غير مسبوق في تردي وفساد الأجهزة الحكومية وسيطرة الواسطة والمحسوبية، وقدمت الولاء للقبيلة على الولاء للدولة، وفككت المجتمع الأردني الذي هو لا زال في طور التطور إلى شعب، بعد ان تم لململة قبائله ومناطقه المتناثرة في كيان سياسي لأول مره.
بالمقابل، اذا جرى استفتاء بين المنادين بتطبيق الشريعة الاسلامية على السؤال ذاته: هل نحتاج الى سلطة تشريعية، فان جواب غالبيتهم هو بالنفي، لأنهم يعتقدون إيمانيا، أن لا حاجة لوجود سلطة تشريعية، لإنه ليس لديها ما تفعله. فالشريعة الاسلامية، كما جاءت في القران كافية استنادا الى قوله تعالى " ما فرطنا في الكتاب من شيء" . فإذا أضفنا الى احكام الشريعة كما جاءت في القران، الاحكام الشرعية التي تنسب الى السنة النبوية، والاحكام الشرعية التي أضافها الفقهاء عبر القرون الماضية من ارائهم الشخصية والتي تمثل الجزء الأكبر من الشريعة، فإن التشريع في منظورهم يكون قد اكتمل. هذه التركيبة التشريعية يعتبرونها صالحة لكل زمان ومكان. بناءا على هذا الاعتقاد ترفض الأحزاب الدينية الإسلامية إلزام نفسها بتبني، والإعلان عن برامج سياسية، وتكتفي برفع شعار "الاسلام هو الحل" بافتراض انه اذا ما تولا أي حزب إسلامي السلطة، فانه بمجرد ان يفتح قادته القران، أو صحيحي البخاري ومسلم أو مؤلفات القرضاوي أو من سبقه من الفقهاء، فإنهم سيجدون الحلول جاهزة لكافة القضايا والتحديات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، والإجابات متوفرة لجميع ما يتوقع وما لا يتوقع من أسئلة وإشكالات، سيما وأن باب الاجتهاد قد اقفل منذ قرون على إعتبار أن ليس بالإمكان ان يؤتى بأفضل مما أتى به الأولون. جماعات الاسلام السياسي تؤمن أن الحكومة تتكون من سلطة واحدة فقط هي السلطة التنفيذية وليس ثلاث سلطات كما هو حال الديموقراطيات الغربية ومن اتبعها بإحسان. وتبعا لذلك، فإن السلطتين التنفيذية والقضائية تندمجان وتكون مركزة بيد السلطان أو الخليفة وان لا رقابة ولا قيود على ما يقرره السلطان أو يريده. فهو إنما يحكم بالشريعة، والشريعة لا تخطئ لأنها ارادة الله. اي انه يحكم باسم الله. السلطان يمارس القضاء ويعين القضاة في الأقاليم. وهذا هو ما طبق طيلة عهود الحكم الاسلامي سواءا كان خلافة او إمارة او سلطنة.
غالبية الاردنيين تنقسم ما بين هذين الفسطاطين. الاقلية المتبقية والتي ترى ان هناك حاجة لوجود سلطة تشريعية، تشترط ان تأتي السلطة التشريعية المكونة من مجلس واحد أو مجلسين منتخبين بالكامل من خلال انتخابات حرة نزيهة فعليا، بعد ان يعدل الدستور ليوفر الضمانات الكافية للحيادية والنزاهة ولقيام السلطة التشريعية بواجبها التشريعي والرقابي دون هيمنة او تدخل من السلطة التنفيذية، وبغياب الخوف من الحل او السجن. هذه الفئة تؤمن أن السلطة التشريعية هي مصدر السلطات لأنها تمثل الشعب الذي هو الأصل والأهم، وتنطق باسمه. وان الهدف من وجود الحكومة بسلطاتها الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية هو خدمة الشعب ورفاهيته وحريته وأمنه وتقدمه. بعبارة اخرى ان الحكومة من الشعب وبالشعب وللشعب. فالتشريعات التي تضعها تكون واجبة التطبيق من السلطتين التنفيذية والقضائية وان ليس هناك مصدر اخر له شرعية أن يشرع، وأن ليس هناك احد فوق القانون وليس خاضعا للمساءلة والرقابة. كما تؤمن هذه الفئة ان طبيعة العصر وتطوره وحاجات الناس واهدافهم ووسائل الانتاج ونظمه وتنوعه وطبيعة العلاقات الدولية، والعلاقات بين الاشخاص الطبيعيين، وما بين الاشخاص المعنويين تقتضي ديناميكية التشريع. اي ان يكون التشريع مرنا وقابلا للتعديل والاضافة والحذف والانتقاد.فهو من صنع البشر ولخدمتهم.