بعد انتظار ساعات طويلة لمعرفة الرد الاميركي على الصواريخ البالستية الإيرانية التي لم يكن ضحيتها شيء، خرج الرئيس ترامب ليقرأ موقفا اميركيا مكتوباً، معداً بدقة من قبل القادة المعنيين بالملف الذين احاطوا بالرئيس الأميركي اثناء إدلائه بالموقف. ترامب لم يكن ترامب؛ ملك التويتر إلتزم بموقف أميركي مصاغ بإحكام فحواه عدم التصعيد وتفهم ضرورة قيام إيران بعمل صوري ما، واضح انه موجه للداخل بعد الاهانة الكبيرة والصفعة القوية التي تلقتها بمقتل سليماني. القناعة الأميركية بعدم الانتقام من الصواريخ الإيرانية أتت بعد التقييم ان إيران تتراجع عن اي تصعيد ذي أثر.
حمل الرد الأميركي برقيات إستراتيجية مشفرة ترتبط أولا بالوجود الأميركي بالمنطقة، وثانيا بإمكانيات التعاون المستقبلي بالحرب على الارهاب بين أميركا وإيران. ترامب سيطلب من دول حلف الناتو زيادة وجودها ودورها في الشرق الاوسط لأن الولايات المتحدة ليست مضطرة للحفاظ على الامن هناك بالنيابة عن العالم وخدمة لمصالحه. لم يكن هناك أسوأ من ذاك التوقيت لإعلان الطللب من الناتو زيادة دوره بالاقليم، فقد ظهر وكأنه تماماً ما طالبت به إيران عندما هددت وأعلنت بدء انتهاء الوجود الأميركي في المنطقة. القوة العسكرية الأميركية هي العامود الفقري لحلف الناتو وجل قوته ووجوده يعني وجودها، والناتو بالشرق الاوسط لن يعني بحال انتهاء الوجود الأميركي المستضاف والمدعو برغبة العديد من الدول، لكن توقيت الحديث عن دور الناتو كان سيئاً خدم واعطى مصداقية للتهديدات الإيرانية. وجود حلف الناتو مصلحة أميركية وشرق أوسطية سيعطي كثيرا من الاستمرارية والاتزان للسياسات الدولية بالاقليم بعد أن رأينا كيف أن رئيسا أميركيا كارها لمن قبله يقلب عديدا من المواقف والتوازنات الاقليمية المهمة، لكن الحديث عن هذا الدور أثناء هذه الازمة صب في صالح إيران.
البرقية الاخرى المشفرة والتي تعتبر اخطر ما قاله ترامب تلك التي أشارت الى التعاون المصلحي اللامباشر بين أميركا وإيران لمحاربة داعش. هذا معناه ان الرئيس الأميركي لا يرى أيادي إيران وأدوارها الإقليمية المحفزة للإرهاب سواء بشكل مباشر او من خلال الاذرع الممتدة بطول الاقليم وعرضه. والاخطر، أنه لا يعي ان التطرف الذي أنتج إرهابا وحشيا من داعش وقاعدة ونصرة وغيرها كان في احد تسبيباته نتيجة وردة فعل على الثورة الاسلامية الإيرانية في 1979.
دول الاقليم وبسبب مشروع وفلسفة تصدير الثورة في إيران حشدت عوامل القوة لديها من ضمنها الايديولوجية الدينية والقومية لمواجهة إيران وثورتها ودرء شرها. التنظيمات الارهابية الوحشية كانت تحشد الدعم الشعبي وتجند المقاتلين الارهابيين مستخدمة فلسفة الواجب الشرعي للدفاع عن الدين ضد المشروع الديني الإيراني التصديري الساعي للتوسع. حالة بغيضة من الطائفية تسود الاقليم بسبب اعتماد إيران تصدير ثيولوجيتها الشيعية وقيام دول بالمقابل بمواجهة ذلك عقائديا. كلام إيران ومراوغاتها لا يجب ان تنطلي على رد محكم صاغه مجموعة القيادة حول ترامب.
(الغد)