على مر التاريخ، لم تكن الأردن سوى نصف سوريا الآخر، ولم تكن سوريا سوى الاسم الكبير، بلاد الشام، الذي احتضن في غابر الأيام أرض الأردن وفلسطين ولبنان.
وإذ استقبل السوريون فيصل الأول وقد دخل دمشق على ظهور الخيل ملكا وفاتحا، فقد نهضت بدخوله، المملكة العربية السورية دولة مستقلة في تلك البلاد التي ما ارتفعت فيها راية غير راية الوحدة والحرية، لتعاود قوى الإستعمار إنفاذ قرارات تشتيت الجهد العربي، ومؤامرات اقتلاع أحلام الوحدة، وإمضاء مؤامرة القرن، سايكس بيكو، لينتهي في تموز 1920 مشروع الوحدة الأول بنفي فيصل وحلّ المملكة، لثلاث ليال خلون من ميسلون، وقد تأهب فيها يوسف العظمة ورفاقه للذود عن شرف الاستقلال وعن أحلام شهداء جيش الثورة العربية الشمالي، ليخلّده أمير الشعراء في قصيدة من أمهات قصائد الشهداء، قال فيها:
سأذكر ما حييت جدار قبرٍ ..
بظاهر جلق ركبَ الرمالا
كأَن بُناتَهُ رفعوا مَناراً ..
من الإخلاص، أَو نصبوا مِثالا
سلوه: هل ترجل في هبوبٍ ..
من النيران أرجلت الحبالا؟
أقام نهاره يلقي ويلقى ..
فلما زال قرصُ الشمس زالا
فكُفِّن بالصوارم والعوالي..
وغيب حيثُ جال وحيثُ صالا.
على مر الأزمة التي عصفت بالياسمين الدمشقي، بقيت المملكة الأردنية الهاشمية متصالحة مع مبادئها التي نهضت عليها، وبقيت على مسافة واحدة مما يجري، حتى حين أرغمها القلق الذي اعترى حدودها الشمالية، لإغلاقها في وجه الموت القادم منها وإليها، فقد بقيت على ثوابتها في عدم التدخل والمناداة بحل يتوافق عليه الشعب الشقيق، ونأت بجيشها العربي عن التلوّث في تلك الحرب رغم التلويح عشرات المرات بالعصا والجزرة.
لا مناص من عودة العلاقة مع الدولة السورية. على مر الشهور التي تلت انتهاء الأزمة، يبدي الجانبان رغبة واضحة في أهمية تطوير العلاقات بين البلدين، وقد أبقت المملكة علاقاتها الدبلوماسية مع دمشق، في إطار بعد النظر السياسي الذي تنهض به روافع من المبادىء والحكمة.
كلا البلدين لهما مصلحة حيوية في إعادة العلاقات وتطويرها. هنا في الأردن، سيعود التدفق التجاري إلى زخمه الحيوي، وستكون عودة اللاجئين متاحة، بعد أن أضافت عبئا على عبء، فضلا عن أن السياحة الأردنية ستعود بالنفع الاقتصادي في دمشق.
تحكم مصلحة الدولة الأردنية مسألة عودة العلاقات مع دمشق. هذا شأن سياسي له علاقة كاملة بظروف الأزمة التي تداعت إليها التنظيمات كما تداعى الأكلة إلى قصعتها، وبالتأكيد لن يؤثر في عقل الدولة آراء متباينة حيال ما حصل في الشام، فمصلحة الوطن أولا، وقد قدّم لهذه المصلحة في تعامله إبّان نشوبها واستمرارها ونهاياتها.