facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss




الفراغ السياسي


د. عادل يعقوب الشمايله
12-01-2020 11:09 AM

الفراغ السياسي في الوطن العربي قديم قدم العرب. فقد كانت اليمن، قبل الإسلام، إما خاصعة لنفوذ الحبشة وإما لنفوذ الفرس. في حين كانت الجزيرة العربية تحكم بالوكالة من الفرس والروم بواسطة المرتزقة العرب: المناذرة والغساسنة، والأعطيات لشيوخ القبائل الكبيرة، والسماح للموالين بالرعي الموسمي خارج حدود الجزيرة.
وما أن غابت شمس المائة سنة الأولى من عمر الدولة العباسية، اَي بعد قرنين وربع القرن من وفاة الرسول، حتى بدأت موجات الغزو الصليبي تتدفق لتملأ الفراغ بعد أن ظهر وهن الخلافة الإسلامية. تلى ذلك الزحف المغولي الهمجي الذي قضى على عاصمة الخلافة وأسقطها فعليا إلى الأبد، وملأ الجزء المتبقي من الفراغ. فاصبحت الامبراطورية الاسلامية مجرد عباءة تنتشر عليها رقع المغول والصليبين وإمارات المغامرين المنتمين الى ملل ونحل واعراق شتى فيما عدا العنصر العربي الذي تم استبعاده.
حقبة الفراغ السياسي والعسكري في المنطقة الممتدة من الخليج العربي/ الفارسي الى المحيط الأطلسي تجاوز عمرها لحد الان اثنى عشر قرنا، ولا يظهر في الأفق اي علامات على انتهائها. فكأس الزجاج الذي تشظى لم يعد بالامكان اعادته كما كان، رغم كافة عمليات اللصق والترميم. إذ ما كادت المنطقة العربية تتحرر من الصليبيين والمغول حتى فوجئت بجيوش العثمانيين تجتاحها ، لتملأ الفراغ الحاصل، ولتعيد حكم السلاجقة الاتراك الذين سيطروا على اجزاء واسعة من اراضي الخلافة لعشرات السنين سابقا. هيمن العثمانيون على كامل ما يسمى الوطن العربي لمدة قرنين. إلا أنه ونتيجة انشغالهم في الحفاظ على ما احتلوه في شرق أوروبا، فقد ضعفت قدرتهم على حماية افريقيا العربية وسواحل الجزيرة العربية، وبالتالي عدم قدرتهم على الاستمرار في ملأ الفراغ. انتهزت فرنسا وبريطانيا وايطاليا الفرصة فإنقضت لتملأه، ولم يبق تحت سيطرة العثمانيين سوى الحجاز وبلاد الشام والعراق.
نجم عن هزيمة السلطنة العثمانية في الحرب العالمية الاولى، أن تغنم الدول الغربيةالمنتصرة ما تبقى من المناطق العربية وأن تملأ الفراغ الحاصل . ظل الامر كذلك الى أن اضطرت الدول الاوروبية الاستعمارية التي أنهكتها الحرب العالمية الثانية للخروج من المنطقة بسبب عدم القدرة على الاستمرار، ونتيجة لضغوط الازاحة التي مارستها الولايات المتحدة باعتبارها الدولة الشابة الناشئة والقوية. كما مارس الاتحاد السوفيتي اقتناص الفرص السانحة التي كانت تتيحها له الانظمة العسكرية العربية التي تبنت الشعارات الاشتراكية ليملأ الفراغ فيها. وبسقوط الاتحاد السوفيتي عام ١٩٩٠ انفردت الولايات المتحدة بملأ الفراغ.
مع بدايات القرن الواحد والعشرين، إنبعثت قوتان إقليميتان عتيقتان هما ايران وتركيا تتنافسان مع بعضهما لملأ الفراغ الذي يترتب على الانسحابات ألأمريكية . لحد الان فازت ايران بحصة الاسد.
يلاحظ أنه وبالرغم من الثروة البترولية التي تتجاوز بعشرات المرات ما لدى ايران، والانفاق العسكري التبذيري المبالغ به، والتضخم السكاني العربي، الا ان الدويلات العربية اثبتت انها غير قادرة على الدفاع عن نفسها، وانها "بالطبيعة" اراض واطئة. مجرد محميات تستجدي، بل وتشتري البساطير الاجنبية باغلى الاثمان لأنها لا تطيق حالات الفراغ. الدويلات العربية تقر بالفراغ وبعجزها عن ملأه بنفسها رغم كل العنتريات الاعلامية التي تتلاعب بعواطف العوام . ومؤشر ذلك القواعد العسكرية الامريكية التي تنتشر علانية في معظم العواصم العربية. إذ لم تعد المحميات تكترث بإخفاء الامر عن رعيتها.
القادم اسوأ، وسيكتشف العربان، أن المستعمرين الاوروبيين والامريكان على سوئهم ارحم من القوى الاقليمية الهمجية. فقد خبر العرب التاريخ العدمي للاتراك، والحاضر الدموي للايرانيين الفرس. كان سقوط سوريا بأيدي العلويين الذين استغلوا حزب البعث العربي كنقاب، اول صعود للحكم الشيعي في المنطقة. تلا ذلك الثورة الشيعية في ايران. ومنذ ان وصل الملالي الشيعة الى حكم ايران بعد هروب الشاه، حرصت سوريا على التحالف معها ووضع العراق بين فكي كماشة تحت مرأى وتشجيع امراء المحميات العربية الذين يحكمون بالكيد والحسد. ولم تمض سنوات حتى تسللت سوريا العلوية الى لبنان بموافقة عربية غبية أطلقت يد الاحتلال العلوي إلى أن تمكن بالتنسيق مع ايران من إنشاء حركتي امل وحزب الله. ومنذ ذلك الحين نشاهد على مسرح الأحداث اثار انقطاع خيط المسبحة العربية السنية وتبعثر حباتها ليلتقطها المد الشيعي الاستراتيجي. وها هي ايران تستغل مقتل سليماني للضغط على امريكا وحلفائها لمغادرة المنطقة العربية لتنفرد بتعزيز مناطق سيطرتها، بل والتوسع اكثر.
فيما يتعلق بتركيا، فها هي تملك الان قواعد عسكرية في سوريا وقطر والسودان والصومال وليبيا. وتأكيدا على فداحة التدخل التركي، صدر البيان التركي الروسي المشترك الرامي الى شرعنة وتثبيت التحكم بحاضر ومستقبل ليبيا وثرواتها. حالة الضعف والهوان العربي والخوف من التمدد التركي، عبر عنها استنجاد الرئيس المصري بكل من ايطاليا واليونان وقبرص للدخول الى الفراغ الليبي. هل هناك ضعف اكثر من هذا الضعف؟ لا مخرج ل" الاراضي الواطئة" "والشعوب الواطئة".





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :