بعد أيام من الإنكار المرتبك أقرت إيران بمسؤوليتها عن إسقاط الطائرة الأوكرانية بطريقة غير مقصودة.
في البداية حاول المسؤولون الإيرانيون التملص واتهام الدول الغربية بتسييس الحادث، وفي آخر تصريح لمسؤول إيراني قال رئيس منظمة الطيران المدني الإيرانية علي عابد آزداه، “هناك أمر واحد مؤكد هو أن هذه الطائرة لم تصب بصاروخ”.غير أن الفيديوهات التي التقطتها الأقمار الأميركية كانت تدعم بقوة فرضية إصابة الطائرة بصاروخ إيراني.
وبينما حاول وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف تحميل الولايات المتحدة جانبا من المسؤولية عن هذا الخطأ، كان الرئيس الإيراني صريحا بما يكفي للقول إنه خطأ لا يغتفر من جانب إيران.
التقديرات الأولية تفيد بأن إيران على المستويين العسكري والفني تمسكت بفرضية الخلل الفني لتبرير سقوط الطائرة لتجنب المسؤولية، لكن المستوى القيادي والسياسي في إيران أدرك أن لا مناص من الاعتراف مع توافر أدلة قاطعة.
والحقيقة هنا، أن الموقف الذي اتخذته القيادة الإيرانية هو الموقف الصحيح حتى لا تضطر لاحقا للوقوع في نفس الموقف المحرج الذي وقعت فيه القيادة السعودية في حادثة مقتل الصحفي جمال الخاشقجي بمقر القنصلية السعودية في إسطنبول.
حديث وزير الخارجية الإيراني عن أجواء الحرب التي خلقتها أميركا كحجة لتبرير الخطأ لا تصمد أمام هول الكارثة، وسياق الأحداث ذاتها، فالولايات المتحدة لم تكن عند وقوع الحادث في حالة هجوم على إيران، بل العكس تماما، إيران هي من كانت تشن الهجوم الصاروخي على قواعد أميركية في العراق انتقاما لاغتيال الجنرال قاسم سليماني، ولم ينطلق صاروخ واحد من الدفاعات الجوية الأميركية لاعتراض الصواريخ الإيرانية. ومن المستبعد تماما أن تكون الطائرة الأوكرانية قد اقتربت من منطقة عسكرية حساسة كما يقول الوزير ظريف، لأن الطائرة سبق لها وأن هبطت وأقلعت عدة مرات من نفس المطار، وتلتزم مثل سواها من الطائرات بمسارات جوية محددة سلفا.
وربما تكون طهران قد أدركت في وقت مبكر جدا من بدء الهجوم على القواعد الأميركية في العراق حقيقة سقوط الطائرة الأوكرانية، ولذلك قررت اختصار العملية العسكرية عند هذا المستوى المحدود من”الرد المزلزل” الذي سبق ووعدت به بعد مقتل سليماني، والتفرغ لمعالجة الكارثة الجوية التي تسببت بها صواريخها في سماء طهران.
وعلى الجانب الآخر، تكشف كارثة الطائرة عن خلل فادح في القدرات التقنية والعسكرية الإيرانية، بخلاف ما يصرح به المسؤولون الإيرانيون، خاصة القيادات العسكرية عن قدرات متقدمة في المنظومة الصاروخية. إذ لا يمكن للمرء أن يتصور بأن دولة تدعي امتلاكها قوة”جوفضائية” تفشل راداراتها في التمييز بين هدف معاد وطائرة مدنية أقلعت للتو من مطاراتها.
حصيلة الرد الإيراني على مقتل سليماني، تبدو تراجيدية للغاية؛ 50 إيرانيا لقوا حتفهم بالتدافع في جنازة الجنرال، وأكثر من 80 إيرانيا ضحايا الطائرة المنكوبة بالصاروخ الإيراني، وضعفهم من جنسيات مختلفة، ومئات الملايين تعويضات ستدفع لعائلات الضحايا، ناهيك عن المسؤولية الأخلاقية والقانونية عن الكارثة الجوية، بينما لم يجرح جندي أميركي واحد.
الغد