يرحل سلطان عمان بهدوء، وتنتقل السلطة في بلاده دون ضجيج. ذاك من شأن الاعتدال الذي وسم هذه الدولة في منتصف التداعيات.
يرحل السلطان الهاديء بعد أن أحكم وجود بلاده في منطقة الظل السياسي ونأى بها عن مشاريع التوسع وأحلام الاستحواذ.
يرحل السلطان الحكيم بعد وصية اتسمت بالحكمة لخليفته في إدارة البلاد، في موقف تاريخي متسامي، حيث يقبل مجلس العائلة في السلطنة بالمحتوى، ذاك الذي اختزل حياة حافلة بالاتزان وسط بلاد استفحلت فيها المليشيات وأفسدت الحرث والنسل.....
ربما كانت تلك البلاد المحكومة بالهدوء والسكينة، خارج إطار الاضطراب الذي استفحل في الإقليم، لأكثر من سبب. لعل في طليعتها عدم التدخل بشؤون الناس وشؤون الشعوب والابتعاد عن مديات الرماية وميادينها بمسافة آمنة.
ربما لم تكتمل صورة الحياة البرلمانية بشروطها الغربية فيها، لكن هذي البلاد ستبقى نموذج للبلاد التي تقبل بالحكمة في القيادة، والاعتدال في المواقف، ونموذج لحياة الشعوب وانشغالها عن الفتن والكراهية والفوضى، بالتعليم والبناء والحضارة.
حرصت تلك البلاد على علاقات متوازنة مع الجميع، ورعت حبل الود الذي يتمزق كل يوم بأنصال المصالح وحدائد التخالفات، بل وبذلت من مالها الوفير، في بناء دولة حديثة، بعد ان فتحت أبوابها للتنمية والعلم والحضارة، وجاد بما أسعف الناس وأنجدهم وآزرهم، هنا في الأردن، وهناك على امتداد عملهم الإنساني في العالم.
في مسقط، ونزوى وصلالة، ثمة أشياء كثيرة تشبهنا هناك. الوجوه في الجبال الخضراء، والقلق حيال تداعيات الأمة وانكساراتها المتتالية، وليالي ظفار الباردة، وقتما كان الجيش العربي، حارس الشرعية ونصير السلطان.
بل إن الأمر أكثر علاقة والتصاقا، لقد بقيت عُمان، باب المعلمين الواسع، حيث نثروا وينثروا الآن، علما وتربية وتنمية، على الأجيال في تلاك البلاد، دون أذى ودون منّة.
يرحل السلطان أخو ثقة، ويترك للبلاد إرثا تليدا من الوسطية والاعتدال والانصراف للتنمية، ويترك لغيره من المأزومين، مغالبة الأزمات وافتعالها، والإطناب في البحث عن مزيد من ميادين للقتل وعن مزيد من الذخائر ومزيد من الاشتعالات ومزيد من نوافذ الاستعمار المشرعة !!