وقفة مع صالح ارشيدات وتجربة العمل الحزبي
السفير الدكتور موفق العجلوني
11-01-2020 01:59 AM
جذب انتباهي مقال منشور في صحيفة الرأي الغراء ووكالة عمون الغراء بتاريخ ١٠/١/٢٠٢٠ لمعالي الدكتور صالح ارشيدات بعنوان : " تقييم تجربة العمل الحزبي بعد مسيرة 30 سنة من الديمقراطية “، مع تأكيد الدستور الأردني لعام 1952 والقوانين المنظمة للحياة السياسية، شرعية ممارسة المواطنين الأردنيين العمل العام والعمل النقابي والعمل الحزبي، وحرية التعبير، وحددت المادة الأولى في الدستور الأردني هوية النظام السياسي بانه نيابي ملكي وراثي. وكذلك طرحت الاوراق النقاشية الملكية السبع منذ عام 2012 مفاهيم رغبة النظام السياسي الجديدة بالإصلاح السياسي وتعزيز النهج الديمقراطي بهدف الوصول الى الحكومات البرلمانية وهو ما الهم القوى الوطنية والاحزاب السياسية بالمشاركة العامة.
حقيقة ما تناوله معالي الدكتور صالح ارشيدات يؤكد قناعتي الشخصية بفشل الاحزاب في الاردن، ولن تقوم لها قائمة لعشرات السنين، لأسباب آولها ان هذه الاحزاب مع احترامي الكبير لأمنائها العامين والمنتسبين اليها، انها انطلقت في الماضي من ارتباطات خارجية وتنطلق اليوم من مصالح شخصية ومعظمها لم ينطلق من اهداف وطنية الا من رحم ربي، ومن هنا سوف أتناول بعض الاضاءات التي تناولها الدكتور ارشيدات والتي تؤكد انه لا مستقبل لها:
• تراجعت مسيرة العمل العام والاحزاب الاردنية بسبب اعطاء الحكومات الاولوية لتداعيات مسيرة السلام مع إسرائيل منذ عام 1994 وكذلك بسبب تداعيات حرب الخليج وتداعياتها على الساحة الأردنية.
• تراجعت قوة المجالس النيابية السياسية والرقابية المتتابعة وكذلك تراجعت الحياة السياسية والعمل الحزبي، ابتداءً من المجلس الثالث عشر عام 1997 حتى الثامن عشر الحالي عام 2018، بالرغم من طرح مشاريع الاصلاح السياسي والمبادرات الملكية المتعددة: كما في الأجندة الوطنية وكلنا الأردن ولجنة الحوار الوطني، والأوراق النقاشية الملكية.
• أثر قانون الصوت الواحد على تراجع زخم المد الشعبي السياسي والعام لمسيرة الديمقراطية، بعد إصدار قانون انتخاب الصوت الواحد رقم 25/992 الذي ساهم الى حد كبير في اعادة تشكيل النخب الاردنية الجديدة على نفس الاسس القديمة وأبرزها العشائرية والجهوية وأدى الى تباطؤ الحراك السياسي الاجتماعي الذي نادى به واشعله الميثاق الوطني عام 1991 ولعب القانون دورا سلبيا، في تبدل قوة وتمثيل النخب السياسية في المجالس النيابية، بالرغم من تضاعف عدد الأحزاب السياسية المرخصة اليوم الى 49 حزباً.
• هل الذي كبح مسيرة الديمقراطية ومسيرة الاحزاب السياسية خلال الثلاثة عقود الاحزاب نفسها ام القوانين الناظمة، ام البيئة الحاضنة؟ وهل هناك فرصة حقيقية للعمل الحزبي ليصبح جزءا استراتيجيا من النظام السياسي؟
• لا زالت معظم الاحزاب تعتقد بوجود فرصة لدور لها بسبب توفر حافز المرجعية الدستورية الايجابية وتوفر المبادرات الملكية الاصلاحية التي تعزز وتدعو العمل الحزبي لأخذ دوره في الحياة السياسية الديمقراطية والمطلوب لتفعيل ذلك قناعة النظام بإقرار قانون انتخاب عصري يشرع للأحزاب وتوفير الحقوق الدستورية للمعارضة السياسية.
• بالمقابل مؤسسات الحكم وبعد طرحها وتبنيها لمفهوم الحكومات البرلمانية لا زالت لم تضع خطة تنفيذ لمضامين الاوراق النقاشية ولم تأخذ قرارا تشريعيا يؤكد الاعتراف بالأحزاب كخيار استراتيجي دائم للعمل السياسي الحقيقي واعتباره جزءا من النظام البرلماني السياسي في مسيرة الدولة.
وخلاصة القول وهذا ما أكده الدكتور ارشيدات: أن العمل الحزبي امام واقع مأزوم بكل ابعاده، وهو يواجه اليوم عزوفا لعدم توفر البيئة السياسية والاجتماعية الرسمية والشعبية الصديقة للعمل الحزبي وللتطور السياسي المتراكم، الامر الذي يزيد من درجة العزوف الشعبي.
وهنا اتفق واختلف مع الدكتور ارشيدات، اتفق بوجوب الرجوع الى الاوراق النقاشية الملكية ويتبنى النظام السياسي في الديمقراطية الاردنية المتجددة بهدف الوصول الى التنمية الشاملة سياسياً واقتصادياً واجتماعياً. وهذه الأوراق هي خلاصة رؤية جلالة الملك عبد الله حفظه الله لبناء مستقبل الأردن (مقالي المنشور بتاريخ ٩/١/٢٠٢٠ في وكالة عمون الغراء بعنوان: كيف نصنع مستقبل الأردن). واختلف بنفس الوقت من حيث ان الاوراق النقاشية لم تأتي لدب الروح في احزاب " مأزوم " ذات منطلقات شخصية مضى عليها ثلاثة عقود بين الموت والحياة ، فهي حقيقة برآي في النزع الأخير وهي اقرب الى التخبط ، و اذا ما ارادت الاحزاب ان تأخذ موقعها في الحياة السياسية علينا ان نبدأ من دور الحضانة و المراحل الابتدائية ،فقذ درست و عملت في عدة جامعات في دول عربية و اجنبية و رأيت كيف تتشكل الاحزاب الوطنية و كيف تتحقق التنمية الشاملة لهذه الدول و بشكل مؤسسي بعيدا كل البعد عن المآرب والمصالح الشخصية او ان تكون تابعة لجهات خارجية و تأتمر بأوامرها .
الاوراق النقاشية هي خارطة طريق لبناء مستقبل الاردن، الأردن الحضاري وكيف نبني مستقبل هذا الوطن، بحيث تتبنى الحكومات رسمياً وعلنا مضامين الأوراق النقاشية واعتبارها مشروع الأردن الإصلاحي النهضوي الحضاري، والإعلان عن خطة عمل زمنية لتنفيذ مضامينها. علاوة على قيام الحكومة بتوجيهات ملكية سامية، بتشكيل لجنة وطنية (مؤتمر وطني) للتوافق حول اولويات مخرجات الاوراق النقاشية ووضعها في ميثاق وطني وتشريعات ملزمة للجميع، حسب روح الدستور، ومقتضيات الامن الوطني الشامل سياسياً واقتصادياً واجتماعياً. وبدء الحكومة بإصلاحات شاملة في مكونات الدولة واداراتها وخاصة في موضوع مكافحة الفساد والفقر والبطالة، وتعزيز النزاهة والشفافية والعدالة الاجتماعية، وتجذير الثقافة الديمقراطية من خلال برنامج الحكومة ومؤسسات المجتمع المدني.
اما إذا بقينا نتحاور مكاننا ونتغنى بالأوراق النقاشية دون الاخذ بها بشكل جدي وبشكل فوري وضمن خطط استراتيجية مبنية على دراسات وأبحاث وتوصيات. وان لدينا وجود أحزاب " ٥٠ حزب " مآزومة، فلن تقوم لنا قائمة لا قدر الله ولن نلحق بركب الحضارة. فاذا لم يكون لدينا خطط واستراتيجيات قابلة للتطبيق في ضوء التحديات الداخلية والتحديات الخارجية فأننا سنكون جزء من مخططات الاخرين، هذه المخططات سوف تكون ليست في صالح الأردن، وبالتالي لا بد من صحوة من قبل كافة الجهات المعنية في المملكة، واستقراء المستقبل والعمل لتحقيق الاهداف الأردنية بما يلبي طموحات جلالة الملك والشعب الأردني.