للمطر بهجة يعرفها كل من ارتبطت معيشتهم بالأرض التي لا تخصب إلا بعد أن تتلقى ما ترسله السماء من أمطار لإحياء الزرع والضرع. منذ آلاف السنين والإنسان يحتفل بالمطر ينتظر مواسمه ويرصد حركة الكواكب ويسعى للتنبؤ بمواقيت الهطل ويعبر عن بهجته بتباشير الخصب والعطاء.
في جنوب الأردن وشمال الجزيرة العربية يزخر التراث بالأشعار والأناشيد والروايات التي تصور اهتمامات الناس وبهجتهم وهم يرقبون تبدل اتجاهات الرياح ولمع البرق واندفاع السيول وسط مشاعر الفرح والامتنان.
شعراء السامر البدوي الذين اكتسبوا شهرة إقليمية واسعة تغنوا بالمطر وتتبعوا تطور المنخفضات الجوية بصور شعرية يمتزج فيها الشكر بالفرح والرجاء كما فعل الشاعر عويض وشيوش العطيوي في استهلال إحدى أناشيده بالقول” ياالله يا مدير الهبايب… يا محيي الرميم الثايب… إلى قوله…. الله يجيب السحايب… ويربع ممشى الركايب، وينهي بالقول يرتاح من الشيل الشايب…لا سيلن الوديان”. في هذه القصيدة يصور الشاعر حالة الرجاء والأمل التي يعيشها البدوي وهو ينتظر المطر ويحمل الأمل بأن تعود الحياة للشجيرات التي ذوت من العطش وتخضر المراعي ويتوقف كبار السن عن رحلات جلب المياه بعد أن تسيل الوديان وتتشكل الغدران وتصبح الحياة أكثر خصبا وربيعا وراحة للجميع.
ومثلما فعل العطيوي، وصف الشاعر الأردني مدالله المناجعة الحويطي المزن والبرق والمطر وغزارة الهطل وإيقاع حياة البدوي وبهجته وهو يطالع جريان الأودية التي ضاقت بحمولتها من الأمطار. هذه الصور الجميلة التي يعيشها البدوي تكاد تغيب اليوم عن فكر ووجدان الأجيال الشابة في المدن والبلدات الأردنية.
مع كل هذه التغيرات لا يزال الشتاء أحد أهم الاحداث التي يستقبلها الأردنيون بكثير من الغبطة والأمل ويمضون الأيام والليالي يرقبون حركة السحب وتشكل المنخفضات، فبيننا الكثير ممن ينظرون إلى المطر باعتباره محددا لنوعية ما سيواجهنا من مسرات ومنغصات خلال العام، فعلى الشتاء يعتمد الربيع وتتحدد كميات التخزين للمياه إضافة إلى نظافة البيئة والأمراض وحجم ونوعية الاختلالات للنظام البيئي.
في كل مرة يتغير فيها الطقس يتبدل المزاج العام الأردني ويتحول الجميع إلى متنبئين جويين ومتابعين وإعلاميين وبسرعة فائقة تزدحم منصات التواصل بالمنشورات والصور والمواعظ والأخبار وفي وسط ذلك تنشط وسائل الإعلام وتوجه أنظارها نحو المؤسسات الخدمية فتطرح عليها الأسئلة حول استعداداتها وجاهزيتها للحفاظ على أرواح وممتلكات الناس وعلى سلامة التنقل بين الأماكن.
البعض من مؤسساتنا تعقد اجتماعاتها وتدعو قنوات التلفزة لنقل الصور وبث الأخبار التي تتحدث عن الاستعدادات والجهوزية وقد يرتدي البعض كوفيته في إشارة إلى الدخول في الأجواء العملياتية. غالبية وزراء الخدمات والحكام الإداريين ورؤساء البلديات يحرصون على إظهار جاهزية مؤسساتهم ويستعرضون الآليات وما قاموا وسيقومون به إذا ما جاءت الموجة أو العاصفة أو المنخفض أيا كان تصنيفه.
مع كل الاستعدادات التي يعلن عنها، تتكرر ومع كل أسف بعض الأخطاء التي تضعف الثقة في المؤسسات وتضيف مزيدا من الغضب والإحباط إلى المشاعر التي يحملها الناس تجاه الحكومة وأجهزتها الخدمية. الفيضانات الناجمة عن قلة الصيانة أو عدم معالجة الأخطاء التي أظهرتها الحوادث السابقة تثير أسئلة كثيرة حول قيمة ومصداقية التصريحات التي يتسابق المسؤولون للإدلاء بها قبيل حدوث هذه الكوارث والأزمات.
المزعج في كثير من الأحيان انصراف بعض المسؤولين لاستخدام بعض الإعلاميين والناشطين لإبراء ذمتهم مما حصل أو نقل صور مغايرة للواقع. خلال الأحداث الأخيرة ظهر بعض المندوبين لقنوات تلفزيونية محلية بأداء رديء لا يقنع أحدا حيث حاول المندوب جاهدا القفز عن الشواهد الموجودة على معاناة التجار للحديث عن جهود الأمانة وما تقوم به. لا أحد يرغب في أن ينكر على العاملين جهودهم، لكن لا يمكن للإعلام أن يغالط الصور ويقدم روايات تخدم رغبات وانحيازات المحطات والمندوبين.
(الغد)