الطريق إلى الجماعة الوطنية
د. محمد أبو رمان
20-12-2009 04:13 AM
التطورات الأخيرة، التي بدأت بحل النواب وتشكيل الحكومة وإعادة تشكيل مجلس الأعيان، فجّرت جميعها حوارا سياسيا وإعلاميا واسعاً حول تقييم الوضع الراهن ورهانات النخب السياسية وتصوراتها.
السمة البارزة للحوار الجاري، مهما وارب وتخفّى وتلون، فإنه يأخذ طابعاً استقطابياً وجدلياً، سواء على قانون الانتخاب أو حتى على تشكيلة الحكومة ووجهتها السياسية العامة.
ذلك شيء طبيعي، إذ إنّنا أمام مكونين رئيسين للشعب الأردني، يشعر كلّ منهما بالقلق من المستقبل، ويريد أن يطمئن على مصالحه ويتجاوز هواجسه.
ما هو ليس طبيعياً أن نبقي العلاقة الأردنية- الفلسطينية في شقها الداخلي والخارجي، رسمياً وسياسياً وإعلامياً، في دائرة "المسكوت عنه"، أو "المنطقة الحرام" الحرجة، التي لا يجوز الاقتراب منها، بينما يلحظ كل زائر إلى الأردن ومراقب سياسي أنّ هذا الموضوع هو الذي يستولي على اهتمام مراكز القوى والقرار والنخب السياسية، ويحتل مساحة الخطاب اليميني المتطرف.
وما هو ليس صحيّاً أن نتحدث بلغتين، الأولى داخلية تحرك المشاعر والهواجس، والثانية للاستهلاك الخارجي والعام، وكأنّنا مصابون بحالة من الشيزوفرينيا، أو داء النعامة (دفن الرأس بالرمال لعدم رؤية الحقائق).
بروز العلاقة الأردنية- الفلسطينية على السطح اليوم تطور طبيعي ومنطقي نتيجة الظروف الراهنة! فالمعادلة السياسية- الاقتصادية، التي حملت الثنائية السابقة، وحكمت اللعبة السياسية، انتهت، مع تغير العلاقة الاقتصادية الداخلية بين الدولة والناس، ومع تكلس قواعدها وجمود أدواتها.
القضية الأهم أنّ "الخارج" تحول من عامل مثبّت للأمن والاستقرار إلى محفّز لتغيير قواعد اللعبة السياسية الداخلية، سواء كان ذلك أميركياً- غربياً أو حتى إسرائيلياً. والمحرّك الرئيس في كل ذلك حرص هذه الدول على إنهاء ملف اللاجئين في الأردن تماماً، كي لا يفرض ظلاله على مفاوضات الحل النهائي واستحقاقاته.
"مفترق الطرق" السياسي الحالي يتوازى تماماً مع وضع اقتصادي حرج جداً في العام المقبل، وجفاف في المساعدات الخارجية، والخشية أن يكون ذلك جزءاً من ضغوط متوقعة غير معلنة على الأردن، للقبول بـ"قرارات غير شعبية"، على حد تعبير بعض المسؤولين، أو بعبارة أخرى لاحتضان استحقاقات تصفية القضية الفلسطينية.
تركيبة الحكومة الجديدة تحمل رسالة واضحة إلى الداخل والخارج، وتحديداً في الشق السياسي، إذ إن بقاء بعض الوزراء يشي برفض صانع القرار لأي "إشارات" بالاتجاه الخاطئ، هذا مع فريق اقتصادي نظيف ونزيه ومحترف، يمتلك احتراماً وخبرة ومصداقية، ما يجبُّ مرحلة الجمع بين البيزنس والعمل العام، التي أزعجت الرأي العام كثيراً، ووفرت مجالاً واسعاً للفساد.
ذلك لا يعني "شيكاً موقعاً على بياض" للحكومة، ولا تنازلاً عن مشروع الإصلاح السياسي، بل هو تفهم لطبيعة المرحلة الحرجة الحقيقية، ابتداءً، ورصد لعمل الحكومة وإنجازها وإخفاقاتها.
بيت القصيد، هنا، أنّ هذه الاستحقاقات بدأت تنعكس على الحوار الوطني الجاري. هل نريد سجالاً وحديثاً يذهب بنا إلى مآلات اللبننة والعرقنة والطوائف والنحل، فنتحدث عن المحاصصة ونقطّع أوصال الوطن والشعب!
أم نريد حواراً ينتج لنا "جماعة وطنية" قادرة على رسم مشروع الإصلاح السياسي التوافقي، من كل الفئات الاجتماعية الكبرى، تمتلك احتراماً وتقديراً، ومصداقية، وقادرة على تأمين مسار حقيقي يستجيب للضرورات الوطنية، ويصلّب الجبهة الداخلية ضد الضغوط الخارجية!
الإصلاح ضرورة وطنية في كل المجالات، لكن دعونا نتفق على مراحله ومساراته وأهدافه.
m.aburumman@alghad.jo
الغد