كالود المتقلب الذي لا خير فيه والذي يميل كل الميل حيث تميل الريح تتمايل اصطفافات هذه الأمة بطريقة تدعوا للتساؤل عن الأساس الذي تبني اعتمادا عليه مواقفها وولاءاتها، ولكن ربما يصغر التساؤل أمام المدرك لحقيقة أن أمة إقرأ لا تقرأ بل تفضل التبعية لإمام أو إعلام أو أي شخص أو وسيلة تقوم بمهمة التفكير والتحليل نيابة عنها لأنها أمة بررت لنفسها عدم التفكير واعتبرت الخروج عن الإمام كفر حتى بعد أن أدركت أن معظم أئمتها ومفكريها وإعلاميها هم ناطقون باسم سلطات بلادهم وبالتالي ففتاويهم وتحليلاتهم ومواقفهم ما هي في الغالب إلا انعكاسات لما يريده صاحب الأمر المتفرد بالقرارات لأنه هو وحده من يمتلك البصيرة بينما تسير خلفه الجموع معصوبة الأعين باختيارها ولا يضيرها إن كان سيرها هذا سيودي بها في مهاوي الردى.
المراقب لاصطفافات الشعوب العربية يرى عجبا فهي جموع أو مجموعات تمسك بخيوط حركتها جهات معينة لتتلاعب بأدائها على ذات المسرح الذي تراقب مسرحياته كل شعوب الأرض فلا ترى غير خراب صنعته أيدي الدمى على أراضيها فدمرت أوطانها ولا زالت تفعل بإصرار دون أن تفكر لوهلة بقص الخيوط التي قيدت أطرافها وكيف تفكر وقد رهنت إرادتها لكل صاحب نفوذ ديني أو سياسي أو حتى اجتماعي.
كم هي كثيرة أسباب الفرقة فوق هذه الرقعة من الأرض، فهناك من الأسباب ما هو ديني ليندرج تحت هذا السبب فروع كثيرة طائفية ومذهبية ومنها ما هو مناطقي يندرج تحته تحالفات شرقية ضد غربية ومنها ما هو سياسي يندرج تحته يميني أو يساري ليولد كل سبب رئيسي من أسباب الفرقة آلاف الأسباب الأخرى التي جعلت حركة مؤيديها تشبة الأمواج المتلاطمة في بحر هائج لم ينج منذ زمن من العواصف.
الممسكون بخيوط اللعبة يدركون تماما سيكولوجية شعوب المنطقة ويعرفون العزف تماما على أوتارها الحساسة كيف لا وهم من يكتبون سيمفونية صوت الفوضى فوق هذه الأرض، المعزوفة الآن هي طائفية بامتياز فأنصار الشيعة مثلا يدعون أنهم يملكون كل الحقيقة وكل ما عدا حقيقتهم هو باطل ومثلهم تماما يفعل أنصار السنة الذين يدعون أيضا بأن الحقيقة هي حكر عليهم وكل ما عداها باطل فينقسم المسلمون قسمين يسعى كل منهما لتدمير الآخر وهم لا يدركون أنهم بذلك إنما يدمرون إسلامهم بأيديهم التي تحركها خيوط جلاديها الذين يراقبون اللعبة ويعدلون على مشاهدها كما يحلو لهم لتخرج للعالم على شكل فيلم هوليودي مليء بالإثارة والعنف والأشلاء والتدمير، تدفع أكلافه الضحايا مليارات من خيرات بلادها على يد قادتها المتفردين بالبصر والبصيرة.