لم يكن الشرق الأوسط بحاجة لاغتيال جديد كي ترتفع عقائر المحلليين على الشاشات.
على رأس كل ساعة، يضرب الخبراء بقبضاتهم على الطاولات المستديرة ويتوقعوا اشتعالا إضافيا في المنطقة، ولكأن براميل بارودها المشتعلة منذ أن هوت بصدام خشبة الإعدام، لم تكن سوى محض ألعاب نارية.
إنها محض ألعاب نارية في سماء واسعة. يتقن الساسة توزيع شظاياها في الأرجاء، حيث يأكل الرماة حصرم الكروم ولا يبقون سوى شعوب أضرستها الشاشات المبعوثة؛ "هذا إلى الفرس قد سارت ركائبه، وذاك للروم قادته الوساطات".
يُمعن الإستراتيجيون في التحليلات والغوص في أعماق أفكار الساسة والعسكريين على حد سواء. لكنهم لا يقولوا سوى كلام، محض كلام لا يمكنه مقارعة الشظايا في السماء العربية المباحة.
تأخر قتل سليماني كثيرا. قال ترامب، وأضاف، أن جيشه حدد إثنين وخمسين هدفاً للعدو. هل كان عدوا حقّا؟ في الواقع لا أحد يجزم بذلك، ولا حتى الخبراء الاستراتيجيون، فرسان الشاشات ووقودها الحيوي.
52 هدفاً في مرمى "الدرون"، آلة القتل الفريدة. ماذا عن مئات الآلاف من الأرواح، ماذا عن بلادهم التي استبيحت وأعملت فيها سيوف العدا قتلا وتشريدا؟
ماذا عن فلسطين، عن القدس وقد نثرت فيالق الجيش العربي دماء جنودها على الأسوار ولم يذكرها أحد؟
ماذا عن اقتتال الاخوة في ليبيا، ماذا عن الحروب بالوكالة فيها، تلك التي تدار في غرف الفنادق ومنصات البنوك؟
أي عظة يمكن للعربي أن يتلقاها في منتصف هذه الفوضى، وأي درب للنجاة بدينه ومعتقده وما بقي من كرامته، يسلك، وقد انصهرت قيم الفضيلة وطفت على السطح تجارة المصالح في واحدة من أسوأ الفترات التي تمر على الأمة، حيث لا يمكن أن تجأر بالمبدأ خشية التصفية، وحيث مكّنت الفُرقة من ترسيخ سناريوهات إضعاف وتشتيت جهود الوحدة بل والحرية أيضا.
على صفيح ساخن. هذا أقل ما يمكن وصف المنطقة به. لكنه صفيح متحرّك، وفق معدلات تدفق النفط وحركة أسعار براميله، وهذا شأن لا شأن لنا به، وجلّ ما علينا فعله، التسمّر أمام الشاشات على رأس كل ساعة، والإصغاء جيدا للخطباء الذين يضربون الطاولات والأرض بأقدامهم وقبضاتهم، غباراً كثّا يسقم السمع ويتلف النظر.