الإسلام والمسلمون، والعرب والعروبة
شحاده أبو بقر
07-01-2020 08:49 AM
لم يكرم " الله " خالق الكون سبحانه وتعالى أمة من خلقه ، كما أكرم العرب ، فقد جعل بلادهم مهبط الوحي وأرض الرسالات ، وجعل رسالته الموجهة إلى خلقه كافة ، هي " الإسلام " ، وأول كلمة فيها هي قوله تعالى لنبيه المرسل رحمة للخلق ، " إقرأ " ، أي تعلم كي تعلم ، ثم عززها سبحانه في محكم كتابه الكريم بقوله " قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون " .
وزاد جل في علاه ، أن أنعم على العرب أهل الرسالة بأن إختزن في باطن وظاهر بلادهم ، أول وأهم مصدر للطاقة المحركة للحياة بمجموعها ، وهي النفط إلى غير ذلك من خيرات يصعب حصرها ، وكأنه تعالى أراد للعرب التحكم بقدرات العالمين كافة على الحركة والعمل والإنتاج وإعمار الأرض ! .
ولكن ، نعم ولكن ، كيف هو حال العرب والمسلمين اليوم ، هل هم سادة وفقا لمبدأ الأصطفاء الرباني ، أم هم أهل حضارة سادت ثم بادت أو هي أوشكت ؟ ، الجواب ، لا يحتمل مجرد الجواب ، فالحال الماثل اليوم ، يقتضي وللإنصاف ، التفريق بين الإسلام والمسلمين ، والعرب والعروبة ، تماما كالتفريق في فهم الدلالة والمعنى بين الطب والأطباء ، أو الهندسة والمهندسين ، أو القانون والمحامين ، أي المهنة والمشتغلين بها .
الطب كمهنة وعلى سبيل المثال ليس إلا ، مهنة إنسانية راقية وعظيمة ، لكن الأطباء ليسوا جميعا ملائكة رحمة ، فهناك طبيب ماهر راق مخلص ناجح ، وهناك من هو أقل مواصفات ونجاحا ، وكذا هو الأمر بالنسبة لكل حرفة ومهنة وعمل ، وذات الأمر ينسحب مع فارق التشبيه ، على العربي والعروبة ، وعلى الإسلام والمسلمين كذلك .
الأسلام العظيم هو دين الله للبشرية كافة ، وهو رسالة سماوية عظمى مكتملة الأركان بإرادة الله سبحانه ، أما المسلمون ، ولا نعمم ، فالحال مختلف تماما ، إذ منهم من يفهم الإسلام كما يريد ويعتقد هو ، وليس كما أراده الله جل جلاله ، ومن هنا والحديث يتشعب ويطول ويدخل دائرة الجدل غير المجدي ، تأتي الإساءة لهذا الدين العظيم من بعض أتباعه الذين يسعد بتصرفاتهم ، أعداء هذا الدين .
وكذلك الأمر نسبة للعروبة والعرب ، فالعروبة مصطفاة بإرادة الله جل وعلا ، ومخزونها التاريخي الحضاري من القيم العظمى والمبادىء السامية والمثل العليا ، ليس كمثله مخزون على وجه الأرض ، لكن العرب ولا نعمم كذلك ، أمر آخر مختلف ، فلقد تخلوا طوعا لا كرها ، عن حضارتهم العظيمة وتاريخهم المشرف وكثير من قيمهم الجليلة ومبادئهم السامية ، وما عادوا سادة أبدا برغم إمتلاكهم لسائر مقومات السيادة ، وإنما باتوا أتباعا مقلدين ، فلا هم صانوا واقعهم وقديمهم على عظمته ، ولا هم حتى أجادوا التقليد كما يفترض ، وغدوا بالتالي ، بلا " هوية " ، وبلا حضارة وبلا تاريخ وبلا حتى إرادة ، لا بل باتوا نهبا لهمل الكوكب وطامعيه وطامعيه .
هذا هو حال العرب والمسلمين اليوم في الأعم الأغلب ، فوضى تغلفها فوضى ، ذل وهوان على الناس ، ومع ذلك لا يتورع بعضهم بالحديث عن سيادة وإرادة وقرار مستقل .
العرب اليوم في المجمل شيء ، والعروبة شيء آخر ، والإسلام شيء ، والمسلمون في الغالب شيء آخر ، فالإسلام اليوم مظلوم ، والعروبة اليوم كذلك مظلومة ، وظالموهما ، هم العرب والمسلمون قبل وأكثر من سواهم ، ولا حول ولا قوة إلا بالله ، وهو سبحانه من وراء قصدي .