تقف الجامعات اليوم أمام أزمة المال والتمويل، والقيادة والتأثير والقيم، إذا ترى بعض قياداتها أن التأثير يكون بالاسهام البحثي والاقتباس العلمي، وبعضها بالظهور في التلفاز عبر سلسلة من اخبار الرؤساء من صيغة «افتتح ودشن وقال وأضاف وشدد»، وبعضهم بالمشاريع العلمية والتطوير وصناعة الأمل.
ولا شيء يمكن أن يقدم مؤسسة ما، دون التفاتها إلى القيم العليا الطيبة، والتي يجب انمائها والعمل عليها، وأخذ الناس لهدف عام بعيداً عن الشخصنة والكراهية.
المطلوب اليوم هو ان نعايين اوجه الخلل في بعض الجامعات، التي توقفت عن الاسهام في التغيير المجتمعبي وباتت تلهث وراء التصنيف والاعتماديات بشكل ممجموج مما جعلها تبتعد عن مسارها التغييري في المجتمع وفي الثقافة.
لقد انشئت أول جامعة عربية في العصور الحديثة في مصر عام 1909 في مصر، وفي تلك الحقبة تولى جامعة مصر التي اصبحت تعرف لاحقا بجامعة القاهرة، العديد من القيادات التربوية والسياسية، ابرزهم الأمير احمد فؤاد والأمير يوسف كمال واحمد لطفي السيد الزعيم المصري الليبرالي المعروف والذي قدم استقالته منها مرتين: الأولى حين حول طه حسين للمحكمة بعد نشره كتابه الشهير مصادر الشعر الجاهلي، والثانية حين دخلت قوات الأمن الجامعة.
لاحقا قامت جامعات عربية في دمشق وبغداد وعمان والرياض وغيرها من بلاد العرب، ظلت المؤسسة الجامعية من أهم مؤسسات الدولة الوطنية، وباتت بيت خبرت وتجربة، ووعي ومحرك تغيير فمن أبوابها خرجت المظاهرات المنادية بالحرية والعدالة، وفيها دار النقاش العلمي والفكري العميق.
كانت الرسالة واضحة من انشاء الجامعة الأردنية عام 1962م لتكون منبراً علميا يعد القيادات والخبرات للوطن، وكان طلاب الأردن قبلها يخرجون للدراسة في دول الجوار ويعودون معارضين او مؤيدين، فكانت الجامعية سبيلا لايجاد ساحة وطنية للحوار والتعلم، وقد حدثت اخفاقات في الحوارات وتطورت احياناً إلى شغب.
غالبا ما كانت القيمة الأساسية للجامعات هي الحرية والدفاع عنها، وعندما تمّ التخلي عن قيمة الحرية، عدنا للوراء، وانتصرت الجهوية والقبلية والمحسوبية والفساد، وبرعاية بعض الرؤساء الذين لا يميزون بين ابن عقيل الفقيه الحنبلي وابن عقيل اللغوي. وهم لم يسمعوا بأي من الاثنين، لا بل إن بعضهم يغور في ظلمه لنفسه حين يعتقد نفسه خطيبا مفوها مثل ابن عقيل او زعيماً مؤثراً مثل الأحنف بن قيس.
(الدستور)