العرب .. الواقع المُر وتطلعات متفائلة
سمير الحباشنة
07-01-2020 01:25 AM
إن الإنسان وإن افتقد إلى الشق المتفائل من روحه ومن تكوينه النفسي، فهو لا محالة يسير مهرولاً نحو خط النهاية. والنهاية هنا لا تعني بالضرورة الموت بمعناه المعروف، وإنما حالة من الموات/ الإحباط الذهني والمسلكي، وخروج غير آمن من دائرة الفعل.
إن التفاؤل، هو ضرب من الحيوية اللازمة والطاقة التي لابد منها، لتشغيل آليات البحث عن سبل قادرة على اختراق أو كسر الجدارات، مهما كانت هذه الجدارات صلبة وباسقة، لتحول دون تحقيق التطلعات، سواء كانت خاصة أو عامة. وإن ما ينطبق على الأفراد بهذا القول إنما ينطبق على الجماعات أمماً وشعوباً
وأعتقد أن المرء المؤهل للعطاء، والشعب الجدير بقبول التحديات، هو من لا يفقد التفاؤل حتى في أشد الأيام حلكة وصعوبة. وشخصياً فإن التفاؤل رفيقي الذي لازمني دائماً، حتى في اقسى مراحل حياتي.. وما مررت به من تقييد حرية وحبس وحرمان..
وعليه فإن نظرة التفاؤل تحتم علينا في العام الجديد، أن نرى مشروعنا العربي المختطف للنهوض والمعطل والمؤجل منذ عقود، لابد وأن يستعيد حريته. وإن نقطة البدء إلى ذلك بتحقق إرادة الأمة وابنائها، وبالذات صانعي قرارها من ساسة ومثقفين، من أن يبادروا للخروج من شرانقهم، وأن يخلعوا تلك النظارات السوداء التي تُقصر مدى رؤيتهم، بحيث لا يروا إلا ما حولهم، ولا يتحركوا إلا بدائرة ضيقة من التطلعات والمصالح.. وتحجب عنهم بالمقابل رؤية المشهد العربي بكليته، وما آل اليه الحال العربي بكل واقعه المؤسف والمؤلم.
لقد عشنا كعرب لعقود ثقيلة في ظلال مصالحنا الضيقة، وتحركنا وفق مفهوم عزل الدولة الوطنية عن محيطها العربي، وبخصام علني أو ضمني مع بنود مشروعنا الكلي للنهوض.
حيث بحث كل منا عن الأمن وعن التقدم ودحر البؤس الاجتماعي والاقتصادي والفقر والبطالة والعجز المالي والتأخر التقني خارج سياقه العربي.
ولم يحقق أي منا مع الأسف أي تقدم ملحوظ في أي من بنود تلك التحديات/ التطلعات.
وكانت النتيجة.. إن الأغنياء منا يتم سلب أموالهم الطائلة من قبل الغير، وبالعلن بحجج تأمين الحماية.
وإن الفقراء منا يزداد فقرهم، ويموتون بفعل نقص الغذاء والأمراض والبرد أو في مخيمات اللجوء أو غرقى، بحثاً عن حياة افضل.
والكثير منا يخوض حروباً داخلية، والكثير من العرب هم من يمدوها بالحطب لتبقى مشتعلة فتقتل المزيد من شبابنا وتدمر المزيد من بُنانا وهياكلنا الاقتصادية.
وكان أن أدى ذلك إلى سلب سيادتنا الوطنية إما بفضل اللجوء للغير، طلباً للحماية أو اللجوء للغير ليسد رمق جوعنا الذي يحتل كل يوم مساحات جديدة من الأرض العربية.
وها نحن اليوم تتقاسمنا المشاريع الإقليمية والدولية، حتى أصبحنا جميعاً رصاصات في بنادق غيرنا. هذا حليف لتركيا وجندي في مشروعها التركي الطوراني، وهذا حليف إلى إيران ومشروعها الفارسي، وثالث مع أميركا ورابع مع روسيا... حتى ازدادت الصورة سوءاَ وظللها السواد حين أصبحت إسرائيل مشروع حليف عند البعض ينتصرون بها، حتى مع ابناء جلدتهم..!!
إن حالة العرب اليوم أشبه بمباريات لكرة القدم، فالوطن العربي هو الملعب الذي تتبارى عليه فرق إقليمية ودولية، كل له فريقه إلا العرب.. الذين يقدمون الملعب والجمهور المتفرج.
وإذا ما حدث شغب ملاعب، فإن الدم الذي يسيل جراء ذلك الشغب.. هو الدم العربي..!!
فالعرب يُقتلون منذ بدء «الربيع العربي» إما برصاص الاشقاء أو برصاص إقليمي ودولي.
حالة مزرية، قاسية، مريرة، مؤلمة، حالة ضياع وتخبط، حالة تربص وشك تحكم العربي بأخيه العربي، حالة تحطيم ليس الى بنانا المادية فحسب، بل وتحطيم للبنى النفسية والثقافية والحضارية والتاريخية للانسان العربي.
حال أصعب من حال مرحلة ملوك الطوائف في الاندلس، وأكثر مرارة من حالتنا مع بدء الغزو الاوروبي الاستعماري إلى أوطاننا في القرون الوسطى. فهل يبقى العربي تائها، أو تتحرك طلائعه وصانعي قراره إلى دورهم المطلوب منهم فيزرعوا بذرة تفاؤل في نفوسنا بعد أن كاد التفاؤل ينعدم؟.
تطلعات متفائلة تبدو لي وكأنها تنبت في هذا الركام العربي.انه التفاؤل الذي تبدو ملامحه تطل من بوابة العرب المغاربة بشكل رئيسي.
فتونس تسير قدماً في بناء مؤسسي ديمقراطي، بل وتلتفت بقوة نحو الواقع العربي ومرشحة أن تتقدم بمبادرات من شأنها البدء بنهوض عربي من تحت الركام..
في تونس اليوم رئيس محترم، بقدر ما هو وطني تونسي هو عروبي بامتياز، يعطي الشأن الفلسطيني والليبي بشكل خاص مكانة متقدمة في تفكيره.. محاولاً اختراق جدار الصمت المطبق على العقل العربي..
الجزائر كذلك هي في فترة انتقالية تنبئ بإعادة الألق إلى هذا البلد العربي الكبير والغني بشعبها المكافح الذي لم تقهره الصعوبات يوماً عن الأيام..
الجزائر أيضاً في طريقها لاستكمال مرحلة تنظيف بنية الدولة وتخليصها من شوائب الفساد ومرحلة الفردانية الطويلة نحو دولة قانون ومؤسسات.. سوف تكون كما ارى عضواً مهماً في إعادة بناء الحالة العربية.
وإن التفاؤل يدفعنا أن تستكمل الدولة السورية هذا العام تحرير وتوحيد أراضي سوريا والانتهاء من قوى الشر والاحتلال والإرهاب الجاثمة فوق الجسد السوري.
والتفاؤل أيضاً بالمسيرة المظفرة للسودان الشقيق الذي انعتق أخيراً ممن جلبوا له التخلف والحروب الداخلية بل وبالتخلي عن جنوبه..
الحكومة الحالية في السودان تقوم بدور كبير في إعادة الوحدة للشعب السوداني وانتهاء حروبه الداخلية الممتدة.
وإن ما يجري في العراق ولبنان يدفعنا إلى التفاؤل.
ذلك أن الانقسام الديني والمذهبي والطائفي الذي سيطر على هذين البلدين، إنما نراه يتراجع أمام هبات شعبية رافضة لذلك وإلى التدخل الاجنبي في العراق مهما كانت جهته وغاياته، وتسعى إلى إعادة الهوية الوطنية إلى مكانتها التي يجب أن تكون لها.
كما أننا وعلى صعيد المجتمع المدني العربي نتلمس حالة من العودة إلى الاهتمام بالمفاهيم والمنطلقات العروبية. وأن مجموعة السلام العربي التي اتشرف بعضويتها، والتي تزداد اتساعاً وانتشاراً وتأييداً لفكرتها السامية، ربما تضع مدماكاً في مسيرة البحث عن السلام والمصالحة في اليمن وليبيا وربما في فلسطين، حيث نتطلع إلى أن نشهد انتهاءً للانقسام الفلسطيني، الذي يمثل عثرة وإعاقة كبرى تحول بين الشعب الفلسطيني وتطلعاته..
وبعد..
هو تفاؤل حذر، لكنه ولابد أن يفضي إلى النجاح المطلوب، فالعرب أمة تكون في مراحل تاريخية وكأنها في حالة احتضار، ولكن تنهض ثانية وأتمنى أن يلازم الظفر النهوض العربي الراهن والمنتظر.
وكل عام وانتم بخير
والله والوطن من وراء القصد
(الرأي)