اغتيال سليماني وخيارات إيران !
د. زيد نوايسة
07-01-2020 01:20 AM
دخلت المنطقة منذ إعلان وزارة الدفاع الأميركية عن تصفية قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني وعراب مشروع التمدد الإيراني في المنطقة قاسم سليماني ومعه أبرز حلفائه على الساحة العراقية أبو مهدي المهندس نائب رئيس الحشد الشعبي فجر الثالث من كانون الثاني مرحلة من الترقب والانتظار والاستنفار والتنبؤ بطبيعة وحدود الرد الإيراني وتداعياته.
يدرك المتابعون أن غياب شخصية بحجم سليماني الذي يملك حضوراً وتأثيراً مركزياً في صناعة القرار العسكري والأمني الإيراني يعتبر أخطر وأكبر ضربة توجه للنظام الإيراني وهي إهانة قاسية للأمة الإيرانية كما عبرت عنها الجماهير الغاضبة في ساحات طهران والمدن الإيرانية.
الولايات المتحدة الاميركية وإسرائيل ترددتا مرات عديدة قبيل الإقدام على الاغتيال رغم توافر المعلومات الاستخبارية حول تحركاته وربما كان مرد ذلك الرهان على تأثير العقوبات الاقتصادية وتحريك الداخل الايراني، ولكن الموازنة بين كلفة الاغتيال وتداعياتها وبين التغاضي عن عملية قتل المتعاقد الأميركي واقتحام السفارة الأميركية في بغداد فرضت تطورا ملحا باعتباره أمرا كارثيا يمس المصالح الأميركية والرئيس ترامب الذي يعاني داخلياً مما رجح خيار الاغتيال والتصفية، وهذه المرة مباشرة من قبل الطرف الأميركي دون الشريك الإسرائيلي والأطراف الإقليمية التي يشتبك معها سليماني باعتباره مؤسس البنية العسكرية والأمنية الإيرانية وصاحب نظرية توسيع المجال الحيوي والاستراتيجي للنفوذ الإيراني.
في ضوء ذلك؛ يتردد سؤال جوهري: هل الأسباب التي تسوقها الإدارة الأميركية لتبرير عملية بحجم اغتيال سليماني هي الأسباب الحقيقية أم أن هناك دوافع وأسبابا غير معلنة؟ التقديرات تقول إن ثمة دوافع أخرى، فالرد الأميركي على مقتل المتعاقد الأميركي كان في اليوم التالي بقصف خمسة مواقع لحزب الله العراقي وأوقع عشرات القتلى ويمكن أن يكون رداً متكافئاً ولكن اقتحام السفارة والصمت العراقي الرسمي عزز الانطباع بأن قرار الانقلاب على الوجود الأميركي في العراق يتم بالتوافق بين طهران وحلفائها من الأحزاب والميليشيات وبموافقة ضمنية من بغداد الرسمية، مما استدعى تحركا أميركيا بهذا الحجم التصعيدي الذي يصل لدرجة المخاطرة الاستراتيجية لأن إيران تملك العديد من أوراق التأثير في الإقليم وبالتالي أصبح خيار الرد بحكم المؤكد ولكن متى وكيف؟.
سيناريوهات الرد كثيرة ومتعددة، وهنا يصعب الحسم بطبيعة التفكير الإيراني ولكن بسبب المؤشرات والاعتبارات الداخلية فإن الرد سيكون ايرانيا مباشرا وليس من خلال الحلفاء والاذرع الإقليمية وضمن سياقات محسوبة بدقة قد يكون من بينها السياسي بتجميد الموافقة على الاتفاق النووي وزيادة نسبة تخصيب اليورانيوم باستخدام مزيد من أجهزة الطرد المركزي وربما الانسحاب كلياً من الاتفاق.
لكن الرد الاستراتيجي في المحصلة كما تراه طهران وحلفاؤها هو إنهاء الوجود الأميركي في العراق وشرق سورية، وهو ما أشار له بوضوح حليف إيران الأبرز امين عام حزب الله عندما قال بأن ثمن اغتيال سليماني هو الخروج الأميركي من المنطقة، ومن ضمن السيناريوهات المطروحة إغلاق مضيق هرمز حيث يمر عبره 20 % من نفط العالم وهي بالتأكيد مخاطرة كبيرة تملك إيران الاقدام عليها من خلال قدراتها الصاروخية والطائرات المسيرة والزوارق. ولكن ليس من السهولة تحمل ردة الفعل الأميركية والدولية، فذلك خط أحمر ليس أميركيا فقط بل دولياً، وبنفس الوقت يبقى الرد من خلال الحلفاء وارداً ولكن في سياق الاستهداف للوجود الأميركي.
في المحصلة استهداف سليماني وضع إيران في معضلة فلا تستطيع هذه المرة ضبط النفس لأنها ستبدو ضعيفة، وبنفس الوقت تدرك أن الذهاب في صراع غير متكافئ له عواقب كارثية وهي بالتأكيد تلتقط رسائل التهدئة الاميركية بانتظار تجاوز الصدمة والتفكير بثمن مناسب، وهذا يحتاجه الرئيس الأميركي بنفس الوقت حتى لا يتكرر سيناريو ازمة الرهائن في سفارة بلاده في طهران العام 1979، وفشل عملية مخلب النسر في 24/نيسان/1980، التي أدت لفشل جيمي كارتر في الانتخابات حيث أفرج عن الرهائن الأميركيين لاحقاً وعددهم 52 بوساطة جزائرية في عهد الرئيس رونالد ريغان.
الأزمة مفتوحة وكل الخيارات واردة ولكن إيران تدرك حجم المغامرة إذا ذهبت في خيار صفري فهذا يعني كارثة لن تحتملها المنطقة وربما العالم.
(الغد)