ما بعد سليماني .. سيناريوهات صعبة
د. علي أحمد الرحامنة
06-01-2020 03:51 PM
مرَّت العمليات الإيرانية السابقة ضد ناقلات النفط في الخليج، وإسقاط الطائرة المسيّرة أمريكية، والهجوم الحوثي الكبير (الجيش واللجان الشعبية) على منشأتين نفطيتين سعوديتين، دون ردٍ أمريكي مباشر.
أما الهجمات الصاروخية على القواعد الأمريكية في العراق مؤخرا، فقد ردت الولايات المتحدة عليها. ولم يُشر بيان البنتاغون إلى أي عمليات سابقة، بل جاء في بيانه أن الجنرال سليماني كان "يطور بفعالية خططاً لمهاجمة المجندين والدبلوماسيين الأمريكيين في العراق وفي جميع أنحاء المنطقة". وهذا يطرح بقوة سؤال توقيت عملية الاغتيال، وهو سؤال تبدو الإجابات عنه غامضة حتى الآن، خاصة بعدما تردد طوال سنوات، وعلى نطاق واسع، أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب "رجل أعمال"، يهتم بالمصالح الاقتصادية، ولا يحبذ الحرب أو الأعمال العسكرية. كما أن هذا التوقيت يأتي في سنة الانتخابات الأميركية، وهو أمر يضيف غموضا إلى قضية التوقيت. ويُضاف إلى ذلك احتدام الصراع الداخلي العراقي لتشكيل حكومة جديدة بعد استقالة عادل عبد المهدي وحكومته، وبعد موجات المظاهرات المطلبية المعيشية المشروعة التي استمرت شهورا، والتي حاولت أطراف عديدة ركوب موجاتها لتحقيق مكاسب سياسية، منها أطراف ذات ميول أميركية وخليجية عربية محددة.
والمكان أيضا يزيد من غموض المشهد. فالعملية تمّت في مطار بغداد الدولي، وهو مطار مدني. وسليماني أتى على متن طائرة قادمة من سورية، وهو شخصية رسمية عالية المستوى في إيران، وقد أتى بشكل مكشوف، ودون أي إجراءات أمنية خاصة، وكانت في استقباله شخصية عراقية رسمية عالية المستوى أيضا، الأمر الذي أوقع المؤسسات العراقية في حرج كبير، حيث خرجت العملية من إطار التفاهمات الأمنية العراقية-الأميركية لعام 2011، والتي أتت بعد الانسحاب الأميركي من العراق آنذاك، وقد حددت اتفاقية الإطار الأمني تلك الطبيعة الاستشارية للوجود العسكري الأميركي المحدود في العراق. ولكن ما جرى خرج عن كل الأسس والقواعد الدبلوماسية، وقواعد العلاقات بين الدول في العلاقات الدولية، ومسّ السيادة الوطنية العراقية بصورة حادة.
وفي يوم 24/كانون الثاني 2020، يجتمع البرلمان العراقي، ويناقش مشروع قانون إخراج جميع القوات الأجنبية من العراق، وهذا ما يفتح بابا واسعا لسحب أي مشروعية لأي وجود عسكري أميركي في العراق، ويفتح باب مقاومة جديدا، قد يُدخِل العلاقات الأميركية مع العراق في باب آخر تماما.
كما يصعب أن تكون الحكومة العراقية القادمة موالية "كثيرا" للولايات المتحدة و"حلفائها" في المنطقة، بعد كل ما جرى.
وستعمل القوى الحليفة لإيران، ولـِ "محور المقاومة" عموما (سورية، حزب الله وحلفاؤه في لبنان، قوى المقاومة الفلسطينية، أنصار الله وحلفاؤهم في اليمن، إلى جانب القوى العراقية الفاعلة عمليا في "محور المقاومة"، وإيران أولا، وبالطبع)، ستعمل هذه القوى مجتمعة على رد منسّق ومحسوب على العملية الأميركية.
سيناريوهات الرد وما بعد سليماني
في هذا المشهد الذي جرى توصيف معطياته باختصار شديد، يمكن افتراض السيناريوهات الآتية الأكثر ترجيحا، للرد الإيراني، ورد محور المقاومة:
• السيناريو المستحيل: ألا ترد إيران ومحور المقاومة، وهذا مستحيل تماما، فالرد قادم، عاجلا أم آجلا.
• سيناريو ضعيف الاحتمال: رد إيراني ضعيف ومحدود تمرره الولايات المتحدة، وتكون "واحدة بواحدة"، وينتهي الأمر، مثل قصف قاعدة أميركية في العراق يوقع عددا محدودا من العسكريين الأميركيين قتلى أو جرحى. وهذا رد يمس هيبة إيران ومحور المقاومة، أمام جسامة الفعل الأميركي، وهو ضعيف الاحتمال.
• سيناريو محتمل وبقوة: رد إيراني أو عراقي أو متعدد بأشكال مختلفة، في العراق على الأرجح، وربما في ساحة أو ساحات أخرى، مثل مياه الخليج، منطقة الخليج، وربما يكون متدرجا، وليس دفعة واحدة، ومن طرف أو أكثر من أطراف "محور المقاومة"، وهو ما سيؤدي إلى رد أميركي مقابل، إلى أن يتم حل المسألة بالوساطات و"الوسائل السلمية".
• سيناريو محتمل (وهو السيناريو السابق، مع ردود وردود مقابلة متسعة الشدة والقوة): وتنفتح في هذه الحالة أبواب معارك، وصولا ربما إلى حرب شاملة، وهو السيناريو الأخطر، ولكنه غير المرجح، لجسامة آثاره على كل الأطراف، والحرص الأميركي على "إسرائيل" وعدد من دول الخليج التي ستصبح مهددة أيما تهديد، بما يدفع ربما إلى تراجع هذا الخيار أميركيا.
وتبقى الإشارة، إلى أن اليد "الإسرائيلية" ليست بعيدة عن كل ما جرى، بل وربما قامت "إسرائيل" نفسها بتنفيذ عملية الاغتيال بالاتفاق مع الولايات المتحدة؛ كون "إسرائيل" خبيرة في الطائرات بدون طيار وعمليات الاغتيال. ولطالما تمنت "إسرائيل" والسعودية مع بعض دول الخليج أن تشتبك الولايات المتحدة مع إيران مباشرة، ولكن الرفض الأميركي كان هو السائد. فهل تغير ذلك؟ سؤال كبير، ستجيب عنه أحداث المستقبل القريب ربما.
إيران تمتاز بالصبر الاستراتيجي وطول النَّفَس، وقد ترهق خصومها قبل أن ترد، كما سبق وفعل حزب الله، ولكن الرد آتٍ بالطبع. وإذا اندفع العراق في اتجاه قانون يمنع التواجد الأميركي في العراق، وجاءت حكومة عراقية على عكس الهوى الأميركي والخليجي، تكون إيران قد حققت مكسبا استراتيجيا بالغ الأهمية، على طريق "طرد" الولايات المتحدة من المنطقة، كما تقول بصيغة أو أخرى.