استثمارات الضمان الاجتماعي
د. ابراهيم سيف
06-01-2020 12:36 AM
لا يجوز التلاعب بمشاعر الناس وإثارة قلقهم جراء تصريحات إعلامية تخرج من سياقها ويتم تفسيرها بشكل مجتزأ لإثبات ان هناك اختلالات تعيب المحفظة الاستثمارية للضمان الاجتماعي التي تدار بعناية أحيانا “زائدة” عن حدها تجنبا لأي مخاطر او عبث بنوعية الاستثمارات.
بموجب القوانين والتشريعات النافذة يجب استثمار الجانب الأكبر من أموال الضمان الاجتماعي داخل الأردن، وهناك خطة استراتيجية وأوزان تم وضعها منذ سنوات تحكم توزيع تلك الاستثمارات وكيفية التصرف بتلك الأموال، وما بين الوحدة الاستثمارية وكادرها، وما بين مجلس إدارة الضمان هناك تمثيل جيد لأصحاب المدخرات، وهناك حاكمية مؤسسية أرسيت دعائمها منذ سنوات . وهذا الشكل المؤسسي من العمل هو ما بنى السمعة الجيدة للوحدة الاستثمارية وجنبها التورط في العديد من المغامرات غير المحسوبة، وربما أيضا قاد الحذر الزائد الى تفويت بعض الفرص الاستثمارية ذات المردود المرتفع والتي كان من شأنها تحسين التدفقات النقدية لتلك المؤسسة التي تهم العدد الأكبر من الأردنيين.
ولعل من الجيد ان تبقى العيون متفتحة لنوعية الاستثمارات المطلوبة والقطاعات التي يجب الاستثمار فيها، لكن هناك بعض الامور التي تتطلب معرفة فنية، والافتاء فيها لمن لا يعلم يولد انطباعات خاطئة، فليس من المعيب اطلاقا الاستثمار في السندات الحكومية او اسهم البنوك والشركات الاستراتيجية، فهذه الاستثمارات تولد دخلا شبه مضمون وتساهم بتعزيز فرص النمو في الاقتصاد، والاقتصاد الأردني صغير نسبيا، لذا فإن الجزء الأكبر من الاستثمارات يكاد يكون محددا سلفا، وفي مراجعة سريعة للكثير من محافظ الصناديق التقاعدية في العالم سواء الخاصة أو العامة، فإن السندات الحكومية تشكل جانبا مهما وكبيرا مما يوصف بالأوراق المالية ذات العائد المضمون، وهناك قسم يخصص للمشاريع الجديدة او المغامرة، وهناك جزء من الحافز يذهب للشركات الراسخة ذات التأسيس الجيد، والفرق ان معظم الصناديق خارج الأردن تبحث عن الفرص الاستثمارية في كل مكان ولا تحصر نفسها في سياق جغرافي، أما وأننا في الأردن محددون جغرافيا، فهذا يقتضي الواقعية في المجال الذي تتحرك فيه الوحدة الاستثمارية.
ولا يخفى ان الحكومات تلجأ عادة الى صناديق التقاعد لتوفير السيولة أو تحفيز الاستثمارات، وهذا منطق مقبول، فالمدخرات بحاجة الى توظيف لتحقيق العائد، لكن الصيغة التي ستحكم العلاقة ما بين الطرفين هي الأهم، فما الذي يمنع من دخول الوحدة الاستثمارية شريكا استراتيجيا في مشاريع النقل العام او البنية التحتية والمياه والطاقة، إذا توفرت الضمانات والترتيبات التعاقدية التي تضمن العائد والتدفقات المالية والضمانات الكافية، الأصل في العلاقة ان تخضع لشروط السوق ولا توظف سياسيا لتحقيق اهداف آنية.
في هذا السياق يجب الإقرار بأن الحكومات المتعاقبة كانت دوما تتقدم بمقترحات لمشاريع وتترك الحرية لمجلس إدارة الوحدة القرار، وهذا الأصل لأن النجاح والفشل سيسجلان لإدارة الوحدة وليس لطرف ثالث، ونحن ندخل العام الجديد لا بد من مراجعة لبعض السياسات والتوجهات على مستوى الوحدة، ولا بد من التواصل أكثر مع المختصين وأصحاب المدخرات لأن هناك تغييرات أيضا يشهدها عمل الصناديق وإدارة الصناديق التقاعدية عالميا في ضوء تراجع عائد السندات الحكومية، وهذا أمر يستحق البحث والنقاش بهدف تحسين العائد وليس التشكيك والادعاء بأن الضمان يقرض الحكومة، فالضمان يستثمر في الأدوات المتاحة تماما كما تفعل البنوك والمؤسسات المالية التجارية.
الغد