مقتل سليماني .. الانقسام الطائفي أقوى من العداء لأميركا
فهد الخيطان
06-01-2020 12:33 AM
واضح أن الموقف الشعبي من سلوك الولايات المتحدة في المنطقة لا يخضع لمعيار واحد وثابت كما كان قبل عقد من الزمان. جولة سريعة على مواقع التواصل الاجتماعي بعد مقتل الجنرال قاسم سليماني على يد القوات الأميركية، تعطيك مؤشرات قوية على حجم الاضطراب والتقلب في اتجاهات الرأي العام الأردني وكذلك العربي.
الأحزاب السياسية والفعاليات المنظمة، تجنبت التعليق على عملية الاغتيال خاصة المحسوبة على جماعة الإخوان المسلمين، في تناقض مشهود مع موقف حركة حماس التي سارعت مبكرا لإدانة “الجريمة” والتضامن مع طهران. باستثناء ذلك اتخذ تيار من الناشطين الداعمين لمحور “الممانعة” السوري الإيراني موقفا منددا ومستنكرا لمقتل سليماني.
في وقت مبكر على بدء الأزمة السورية حصل شرخ عميق في صفوف الأحزاب والحركات السياسية بمختلف توجهاتها. الإسلاميون على وجه التحديد انفصلوا تماما عن الموقف التقليدي للحركات اليسارية والقومية، عندما ساندوا “الثورة” في سورية، وأيدوا التدخل الأجنبي الداعم لها.
فيما مضى كان كل عمل عسكري للولايات المتحدة في المنطقة والعالم، يلقى إدانة واسعة في أوساط الرأي العام العربي، ويصنف على أنه عدوان ضد الشعوب. لكن، ثمة تبدل جوهري في المواقف يتكشف في عملية سليماني، فقد عبر تيار واسع من المتفاعلين على منصات التواصل الاجتماعي عن ترحيبهم بالعملية، بمستوى يفوق تيار المستنكرين في الأردن تحديدا.
حتى أنصار النظام العراقي السابق وهم من أشد المعادين لأميركا، لم يترددوا في الترحيب بمقتل سليماني. أوساط شعبية متدينة، اتخذت نفس الاتجاه استنادا لموقفها من التدخل الإيراني في سورية، ومعارضتها للنظام السوري لاعتبارات طائفية.
عمليا الانقسام الطائفي الذي ضرب شعوب المنطقة في العمق، كان له الأثر البالغ في تغيير الاصطفافات وتصنيفات الأعداء. الولايات المتحدة التي طالما كانت قاسما مشتركا لعداء الشعوب العربية بسبب سياساتها المنحازة لإسرائيل، أكبر المستفيدين من هذا التغيير في المواقف، فقد تمكنت أخيرا من كسب الدعم في الشارع العربي رغم تعاظم دعمها لإسرائيل وسياسات اليمين الصهيوني.
ربما يكون لشخصية قاسم سليماني دور استثنائي في تشكيل المواقف والانحيازات حياله، فالرجل كان بمثابة قائد عمليات ميداني للمجموعات المسلحة التي تقاتل إلى جانب الجيش السوري في معركته مع الجماعات المسلحة والإرهابية. ومع استمرار الأزمة لسنوات وتنامي دور تنظيم داعش الإرهابي في سورية والعراق، توسع نفوذ سليماني في الجبهتين، مع تزايد واضح في نفوذ فيلق القدس الإيراني ودوره الواسع في عموم منطقة الشرق الأوسط ودول الخليج العربي، إلى جانب حزب الله اللبناني وتطبيقاته في العراق واليمن وبعض الدول الخليجية.
سليماني كان عنوانا لهذا الانقسام في المواقف بين جبهتين رئيستين في منطقتنا، وحظي برمزية كبيرة في أوساط واسعة، مثلما تحول لعدو لدود لإسرائيل التي واجهت نفوذه في سورية بقوة السلاح. لكن سليماني ومن قبل إيران وبقدر المكاسب التي حققتها في ساحات الصراع والنفوذ، كسبت من الأعداء أيضا، بفعل الطبيعة الطائفية التي سبغت الصراعات في أكثر من بلد عربي.
باختصار الانقسام الطائفي والمذهبي في بلادنا العربية والإسلامية أقوى من العداء لأميركا وإسرائيل بكل ما ارتكبته من جرائم بحق شعوبنا وما احتلته من أراض عربية وفي القلب فلسطين.
الغد