إضراب المهندسين .. هل يتفق وأحكام القانون؟
د.طلال طلب الشرفات
05-01-2020 04:11 PM
عندما اختلفنا مع نقابة المعلمين والإضراب المفتوح الذي قاموا به لم نكن وقتها ضد مطالب المعلمين من حيث المبدأ، ولم نكن نناصر الحكومة -حينذاك- ولكننا كنا نتمسك بالشرعية القانونية، ونرفض شرعنة مخالفة القانون والاستقواء على الدولة، وقد نلنا -وقتذاك- الكثير من عبارات الرفض والشتائم، والإصرار على عدم الخوض في مبدأ الشرعية أو سيادة الدولة على موظفيها ومواطنيها.
نجحت النقابة -آنذاك- في ليّ ذراع الدولة والحصول على ما تريد، وقلنا وقتها أنه قد حان الوقت لمراجعة شاملة لمدى احترام المؤسسات والهيئات والنقابات لسيادة القانون، والى اَي مدى يمكن التمسك بالشرعية القانونية لممارسة مظاهر الاعتراض والاحتجاج، وهل يمكن قبول الازدواجية في ممارسة السلوك السياسي ومظاهر الإنكار المنهج لقدسية الدولة التي أضحت ترافق السلوك السياسي للنخب والواعية والغاضبة على حد سواء .
إعلان نقابة المهندسين الاعتصام والتلويح بالإضراب المفتوح هي نتيجة طبيعية لرضوخ الحكومة لنقابة المعلمين بالشكل الذي تم، واستقواء آخر وخارج سيادة القانون على الدولة وسلطتها التنفيذية، وإصرار جديد على عدم الاستعداد للنقاش حول مدى شرعية الإضراب في القطاع العام استناداً لنصوص قانون العقوبات ونظام الخدمة المدنية، وإمعاناً جديداً في تغيير معادلة الحكم، والانتقال من شرعية سيادة القانون وخضوع الكل لأحكامه إلى شرعية الاستقواء المُدان الذي لا يعترف سوى برضوخ الحكومة للمطالب. وهذا السلوك الخطير سبق وأن حذرنا منه ولكن لم يسمع لنا أحد.
لا يحق لنقابة المهندسين أن تُلّوح بالإضراب المفتوح ولا الجزئي، ولا يجوز للحكومة أن تقبل التفاوض مع أي سلوك يخالف أحكام القانون، وعليها بالمقابل أن تبحث مطالب المهندسين المشروعة؛ وفقاً لقواعد العدل والمنطق، وإمكانات الدولة المالية باعتبار هذه الفئة النخبوية والتي تشكل واحدة من أهم ركائز الطبقة الوسطى ولها دور حيوي وأساسي في ضبط إيقاع الدولة السياسي والاقتصادي، وهذا أمر نطالب به حتى وإن اختلفنا معهم في قرار الإضراب قانونياً وسياسياً، أو في خطابهم الذي يحوي تهديداً سياسياً ينطلق من محاولة تكرار تجربة نقابة المعلمين وهو الأمر الذي لن يتم البتة.
الأصل في العمل النقابي الحر الناضج أن يقاتل بشراسة عن سيادة القانون، والمتعارف عليه في التقاليد النقابية أن يحرص الجسم النقابي على النضال من أجل تعديل التشريعات المجحفة، أو تلك التي تتضمن نصوصاً تشكل قيداً على الحقوق والحريات. النقابات في الدول المتحضرة تحاول لجم سلوك الحكومة عندما يتضمن الافتئات على سيادة القانون، أو تمارس حالة من الصلف في تطبيقه، أو تتعسف في ممارسة سلطاتها القانونية أو السياسية، وتعمل بشكل حثيث على تطبيق مبادئ الشفافية والعدالة والمساواة وتكافؤ الفرص في إطار قواعد الحق وسيادة القانون.
نحثُّ الحكومة والنقابة على الحوار الواقعي المنطقي للوصول لحلول وسط، وتحسين وضع المهندسين، وندعوا النقابة إلى محاولة طرح حلولاً ممكنة يمكن تنفيذها من الحكومة، أمّا إذا أعلنت النقابة إضراباً جزئياً أو مفتوحاً خلافاً لأحكام القانون؛ فإن أي حوار وقتها مع النقابة يشكل خرقاً للدستور، ومبادئ سيادة القانون، وهذا أمر يجعل من المطالبة بإسقاط الحكومة -حينئذٍ- واجباً وطنياً لن ندخر جهداً في المطالبة به ودعمه التزاماً بحرصنا على هيبة الدولة، ورفض الاستقواء عليها، واحتراماً لسيادة القانون الذي يشكل أهم ركائز الوطنية والمواطنة معاً.
وحمى الله وطننا الحبيب من كل سوء..!!.