شوزيفرانيا السر والعلانية
د. عامر السبايلة
18-12-2009 10:46 PM
لا تخلو الاجتماعات الأكاديمية العلنية و خصوصاً تلك المغطاة من الصحافة و الإعلام والتي تشهد حضوراً دولياً أوحضور أصحاب القرار من الحديث المطول عن البحث العلمي، أهميته و أولويته, مخصصاته و متطلباته و حتى مقتطاعاته، و الإجراءات المتخذة و التدابير المحضرة لترقى بالبحث العلمي إلى أعلى مستوياته.
هذا حال الجلسات العلنية و التي سأم المستمعون منها و أصبح أطفالنا قادرين على إعادة نفس الشعارات الرنانة و ترديد هذه العبارات الرنانة و تصوير حلقات برامجية ليلاً و نهاراً، و في ذهنكم و ذهننا صور هذه الاحتفالات الشهيرة و الخلوات القديرة المعدة لتمجيد البحث و الباحثين.
الجلسات المغلقة و الاجتماعات المتكررة حالها مختلف بعض الشيء، ففيها يتم التشديد من قبل أعضاء في مجلس التعليم أو القلة التي تختص بالشؤون الأكاديمية ضمن مجالس الأمناء، أن أولويتنا و أولوية جامعاتنا تدريسية و ليست بحثية و عليه إن الجامعات الأردنية تعنى بعدد الطلاب القبولين و المردود المادي.
هذه الصورة و التي تحول الجامعة من منارة بحث و علم إلى امتداد انظام تدريسي مدرسي الطابع يخضع فيه الطالب لعمليات التلقين المتكررة و المتعددة و ضمن هذا الواقع المخالف لكل الشعارات المطروحة و الأهداف المكتوبة، و تطفو على السطح كل الممارسات السلطوية في مناخ بعيد كل البعد عن الأكاديمية و قريب جداً من مرض "جوع السلطة".
يطلب من الأستاذ الجامعي أن يقوم بتدريس 18 عشرة ساعة- بحجة نقص الكوادر- وحتى لو اتفقنا أن نصاب 12 ساعة أيضاً يشكل عبء كبير على المدرس. إذاً 6 مواد دراسية كلها بحاجة لإعداد و تحضير و أداء امتحانات بأوقات محددة و تقييم ما يقارب 240 طالب في كل فصل. و لا بد من التأكيد لمن يعتقد أن هذا العبء يشكل دخلاً إضافياً حقيقياً أنه لا يشكل ذلك.
مجرد تصور هذا الواقع بحيادية تامة يسقط كل شعاراتنا العائية العلنية و التي نرددها و نتغنى بها في لقائاتنا المتعلقة بتطوير البحث العلمي. و من المحزن أيضاً أن نعلم أن الأستاذ الجامعي مطالب بإعداد أوراق بحثية و نشرها في مجلات علمية عالمية مُحكمة و من بعد هذا كله تشكل لجان داخلية لتقييم البحث العلمي المنشور في تلك المجلات و كأن الجميع نسي أو تناسى حجم الضغط و تبديد الوقت في إعطاء هذا الكم الهائل من المحاضرات و الإعداد للامتحانات.
و السؤال هنا: إن كان مسؤولونا في جلساتهم الداخلية يعلنون و يؤكدون أن أولويتنا تدريسية، اذاً لماذا لا زلنا نتخذ من الأبحاث المنشورة معياراً للترقية؟
السؤال الثاني يتعلق بمسألة مهمة و هي طريقة التعامل مع الأستاذ الجامعي و احترام وقته و خصوصيته، حيث يتم للأسف إقحام الأستاذ الجامعي بكل الأعمال التي لا تمت إلى مهمته الأكاديمية بصلة، كالمشاركة بلجان إدارية، و الإشراف على انتخابات و تنظيم احتفالات بدلاً من محاضرات, أو ضرورة مشاركته في لجان أومراقبة امتحانات و حضور اجتماعات لا هدف منها إلا ضياع الوقت ضمن أسلوب يجهل تماماً معنى الرسالة الأكاديمية، و يجهل أيضاً أن استقلالية الأستاذ الجامعي و وقته هما أساس العمل الأكاديمي و ليس إقحامه في أمور لا تعنيه، و إن كان يحق لنا هنا السؤال عن جدوى وجود أعداد كبيرة من الموظفيين الإداريين في الجامعات، و إن كان من الواجب حفظ الأدوار على أرض الواقع و ليس فقط بالمسميات: إداريين و أكاديمين.
فكيف بعد كل هذا نبقى نرتجي أبحاثاُ مكتوبة و مساهمة فكرية لأساتذتنا و مفكرينا و الذين لا يملكون اليوم حتى الوقت لقراءة كتاب أو كتابة مقال.
آن الاوان أن نتخلى عن الطرق العقيمة التي نتعامل بها مع أكاديمينا و إدراك حقيقة أن لهم مهمة أسمى تكمن في البحث و التطوير و نقل هذا التطوير و التجديد للأجيال القادمة و إلا بات التعليم عملية متحجرة تجتر المعلومة اجتراراً و تعاني من شُح فكري.
http://amersabaileh.blogspot.com