تنظيم العادات العشائرية: الضرورة والمنهجيات
د عبد الحكيم أخوارشيدة
04-01-2020 11:39 PM
دعوة وزير الداخلية قبل عدة أيام الى ضرورة القيام بجهد وطني للتوافق على صيغة محددة تمثل اطارا" توافقيا" يعمل كمنهجية ومرجعية تلزم كافة ذوي العلاقة فيما يتصل بموضوع تنظيم واعادة النظر بالعديد من الجوانب السلوكية والتي ترتبط بشكل أو بأخر بالعادات العشائرية. هذه الدعوة الجريئة والتي اطلقها وزير الداخلية تهم كافة الفئات والمكونات الاجتماعية في وطننا الاردن, وعليه فانني ومن قناعة أكيدة أقف في جانب الداعمين والمؤيدين بقوة لهذا الطرح الجريء من وزير لوزارة معنية بشكل وثيق بهذا الموضوع, وذلك للأسباب والمضامين التالية:
أولا": لقد شابت منظومة العادات والسلوكيات العشائرية العديد من المظاهر والسلوكيات السلبية والتي ساهمت الى حد كبير في تشويه الوجه الناصع والحميد لمفهوم العشائري. ونعايش مثل هذه السلِوكيات بشكل لا يختلف عليه اثنان وندرك بانها, أي تلك السلوكيات السلبية, لا تمت للنظام العشائري الأصيل بأي صلة, ولا يمكن القبول به أو أقراره.
فمنذ متى كانت العشيرة حاميا" للسارق والبلطجي وقاطع الطريق ومروج المخدرات ومعتدي على المال العام وعلى حرمات الأشخاص والبيوت ومزيف العملة وحتى مثير النعرات ومرتكب جرائم تهدد أمن المجتمع وافراده.
ثانيا": الكل منا يدرك دون ادنى شك ان هناك بعض الممارسات والسلوكيات والافعال المشينة يمارسها البعض ويحاول الصاقها بالعشائرية ليعطيها نوعا" من الشرعية ولتبرير الخطأ ومحاولة الأحتماء بالعشيرة والنأي عن المسائلة والمحاسبة.
ولنكن أكثر وضوحا", فالعشيرة كنظام اجتماعي تؤسس لمعاييرسلوكية توجه ابنائها للأخلاق الحميدة والقيم النبيلة وتنظم علاقة افرادها ببعضهم البعض وبأقرانهم في المجتمع ككل, كانت العشيرة سندا" لابنائها في مكارم الأخلاق وبالحق وعدوا" للباطل وللظلم ولم تكن يوما" تتمثل قاعدة انصر أخاك ظالما" ......, كانت العشيرة وكجزء من قواعدها ومرتكزاتها تنبذ أي فرد فيها يأتي بفعل معيب, وتحقّر كل من لا يحترم جاره ويكرم ضيفه ويلبي طلب الملهوف ويعين الضعيف وتتبرأ ممن يأتي بفعل فيه خيانة وسوء ائتمان.
ثالثا": ما يخص دعوة السيد وزير الداخلية فيما يتعلق بمراجعة موضوع الجلوة العشائرية. ان هذه الدعوة الجريئة من الوزير يجب على الجميع من ذوي العلاقة سواء مسؤولين حكوميين, نخب عشائرية, خبراء وعلماء دين وكل من له شأن بالقضايا المجتمعية, يجب عليهم جميعا" الشروع وبأسرع ما يمكن لبحث هذه الظاهرة التي اصبحت مؤرقة فعلا" لفئات اجتماعية واسعة لما تجلبه من ويلات واثار اجتماعية واقتصادية ونفسية مدمرة . لقد رأينا كم تشردت أسر بسبب هذه الممارسة غير المنضبطة وعايشنا كم من طفل اضطر لترك مدرسته وكم من طالب جامعي انقطع عن دراسته الجامعية وكم من موظف ترك عمله وكم من مزارع هجر ارضه وزراعته وكم من تاجر اغلق باب تجارته والقائمة تطول وكل ذلك بسبب الأنفلات غير المبرر في استخدامات هذا العرف وعدم ضبط هذه العادة.
رابعا": ان احترام الاعراف العشائرية الحميدة والتي تساهم في درء الفتن والاحقاد وتعزز من السلم المجتمعي وتحفز على احترام وصون حقوق الاخرين وممتلكاتهم وكذلك صون وحماية المال العام واعتبار المصلحة العليا للدولة هي الهدف الذي تجتمع عليه كل قوى المجتمع ومكوناته, يجب ان لا تتعارض مع مفهوم الدولة الحديثة ومبدأ سيادة القانون واحترام السيادة والولاية العامة لسلطات الدولة ودستورها وقوانينها.
ماهو المطلوب؟
المطلوب منا جميعا" وبدون استثناء المساهمة وبدون تردد البدء بوضع قواعد وأسس لضبط هذه الظاهرة وذلك بدعم لوضع حدّ للانفلات غير المبرر في استخدام العرف العشائري في غير موضعه اللائق ولتبرير بعض الممارسات التي لا تليق بمنظومة العشيرة ولا باعرِافها النبيلة وبدون محاباة, لأنه اصبح من غير اللائق وغير المقبول السكوت على الاختباء خلف العشيرة وعبائتها لحماية سلوكيات غريبة تهدد الامن المجتمعي وتشوه في ذات الوقت الوجه الناصع للعشيرة واخلاقياتها ونبل اعرافها الحميدة. ومن هنا اصبح لزاما" على كل الأطراف والجهات ذات العلاقة الدعوة الى أيجاد صيغة مؤسسية تنبثق من أطر قانونية لوضع القواعد والمرتكزات تكون بمثابة مرجعيات لتنظيم وتوضيح حدود تطبيق العادات والأعراف العشائرية في الأمور التي يتفق عليها وبالتالي على الجميع الألتزام بها وبما يساهم في تكريس لمنظومة القواعد القانونية واحترامها وعدم الخروج عليها.