كثيرون هم الشعراء والكتاب الذين أحبوا وتغنوا في شعرهم بذكر الحبيب ولم يبوحوا قط بإسمه محافظةً على كرامته أو لغير ذلك من الأسباب . ومنهم من لم يدع الحبيب نفسه يدري بعاطفة المحب ومثل هؤلاء العشاق يعشقون بحواس الروح لا بحواس الجسد وقليل ما هم.
نروي اليوم من هذا القبيل قصة الشاعر فلكس ارفر (1806-1850)الفرنسي فأنه أحب امرأة مدى حياته كلها وتيم في هواها وهي تجهل ذلك تمام الجهل لأن مرؤته أبت عليه أن يكاشفها بحبه وهي غير مطلقة الحرية ،لئلا تخون واجب الأمانة المطلوبة منها لغيره .وقد نظم في هذا الموضوع قصيدة جميلة أحببت أن أعربها لقرائنا بالنظر الى شهرتها في الآدب الفرنسي.
وقد تكاثرت الاقوال والظنون لمعرفة تلك التي سلبت فؤاد الشاعر دون أن تدري فمنهم من توهم مدام فكتور هوغو ومنهم من تصور غيرها ولكن الشاعر لم يبح ابداً بهذا السر ويقول إن الحبيبة ذاتها ستقرأ أبياته ولا تدري من يعني .وهذا تعريب هذه الأبيات : في نفسي سر محفوظ ،وفي حياتي حادثٌ مكتوم :هو غرام ابدي تولد في لحظة من الزمن .ولما كان لا دواء لهذا الداء اضطررت الى كتمانه وتلك التي سببته لم تدر به قط.واهاً عليً :أمر بالقرب منها دون أن تنظر الي .فأنا دائماً معها ودائماً وحدي .وسأقطع مفاوز حياتي حتى النهاية وأنا لم اُعط شيئاً ولم أتجرأ على طلب شيء .أما هي -وإن كان الله قد خلقها رقيقة الشعور شفيقة القلب - فستسير في طريقها غير مبالية ولا سامعة حفيف الحب الذي يرافق خطواتها وهكذا،وهي في أمانتها التامة على الواجب :ستقول عند ما تقرأ هذه الأبيات المملؤة بذكرها (من هي تلك المرأة...؟)ذلك هو الحب المكتوم أطهر انواع الحب الصامت لما به من احتراقات الروح لا يشعرون بمدى حبنا لهم وتعلقنا بهم ولا يهتمون لكل ما نقول او نفعل لأجلهم فلا يكون أمامنا الا ان نحبهم بصمت ويكون قاسياً وجارحاً ومؤلماً ومتعب لانه لا يبث ولا يقطع امراً لأنه يبقينا معلقين بين كل الخيارات نتحسس مواضع قلوبنا لنكتشف أخيراً انها تحترق بصمت.
وهذه القصص كثيرة منها عاشها الكثير منا وخاصة الشعراء وسمعنا الكثير عن شعراء وكتاب كتبوا به وقد تذكرت بنهاية المقال عن -رابندراناث طاغور فيقول: إن الحب المكتوم لحب مقدس ،انه يتلألأ كجوهرة ،في غياهب القلب الخفي ويبدو على نور النهار الفاضح قاتماً جدير بالشفقة . رحم الله قلوب أصابها البلاء.