قارئ جريدة يركن باب محلّه مهباشٌ
د. زياد الشخانبة
04-01-2020 05:04 PM
الساعةُ تُقارب السابعة صباحاً وقد غادر للتو صهريج الماء بعد سقاية صباحيّة لأشجار شارع الحمامات التونسية وسط العقبة.
الشجر والأرصفة والممرات وحتى المقاعد الخشبية جاء عليها الماء، فبحثت عن مقعدٍ اجلس عليه وسط هدوء المكان الذي تحبذه الطيور صباحاً وعبور نادر للمركبات والمارة.
في القرب هناك سيداتٌ ثلاث يجلسن وقد جاءهن بائع القهوة المجاور يحمل ثلاث أكواب. قررت أن احتسي القهوة منه فهي سيدة الصباح فكيف بها بهذا المكان. لممت بالمنادة عليه وإذ بعيني قد أتت على مُسنٍ في الناحية الأخرى يجلس أمام متجره مسخّراً كل تركيزه في جريدة ورقيّة يقرأؤها.
ذهبت مسرعاً إليه وقد نسيت أن صديقاً يسير برفقتي؛ الشارع خالٍ من الباعة وعلى زاوية شارعين يجلس هارون الخطيب يقرأ الجريدة الورقيّة يُلقلّب صفحاتها في زمن احتلّت فيه الإلكترونيات حياتُنا في مشهدٍ غاب عنّا في ظل الحداثة، وصلت وألقيت السلام فردّ بمثله وللوهلة الأولى بدا وكأنه ينتظر أن أسأله عن مكانٍ ما، ليُكمل القراءة التي قطعت تركيزه فيها إلا أن شيئاً أخر لفت الانتباه وهو مهباشٌ يركن باب المحل ويلزمه لكي يبقى مفتوحاً.
عرّفته بنفسي وأن جلسته وجريدته هي ما جاء بي، فقال : "منذ عشرين عاماّ أبدأ يومي بحل الكلمات المتقطعة في الجريدة ثم بعد ذلك تكون قراءة الأخبار". أسعدني هذا الرجل ذو الـ 75 عاماً الذي يحافظ على عادات الماضي ولم يتغيّر رغم معاملته المحصورة بالغالب مع السواح الأجانب .
هو ملم باللغة الألمانية والانجليزيّة ومنذ ثلاثة عقود يعمل في العقبة في بيع التحف واللوحات ومستلزمات السواح، ولأنه مُسن ومبتسم يحبذ السواح الشراء منه لبساطته وبساطة محلّه الذي لم يسعَ لتطويره لأنه مؤمن بان الحداثة تغيّب الأصالة وتؤثر بقيمة المكان .
هارون الخطيب صاحب قضية، فقد غادر القدس تحديداً قرية العيزرية عام 1951 ومنذ ذلك الحين وهو متابع جيد للأخبار فهو قومي عروبي قدسي يعشق الأردن ويتعلّق كثيراً بحروب نهاية الستينيات وبداية السبعينيّات ولديه حنين للقدس لو وضعه بخليج العقبة لارتفعت أمواجه عالياً، ويذكر هارون أماكن جلوسه بجوانب أسوار القدس وجدرانها ويهتم كثيراً بأخبارها وها هو اليوم ومنذ 1980 يعمل في السياحة وينتظر أمام محلّه زائرٌ قادمٌ من أقاصي الدنيا ليتبادل معه الحديث ثم يبيعه بأقل الأسعار ويقول له كعادته: "خليها علينا". فيسعد الزوّار كما يقول ويتفاجأون بهذه الطيبة والكرم الذي يمتاز فيه اهل العقبة عن غيرهم في المدن المشاطئة .