يستمر نزيف الشعب العراقي الشقيق على وقع الاحتجاجات المستمرة رفضاً للفساد وللتوغل الايراني في بلادهم. بدأ مشوار النزيف منذ سنوات، يصعد تارة ويهدأ تارة أخرى، وقد أخفقت آليات العمل السياسي للآن بتأطير عمل القوى السياسية أو تمثيلها على نحو يحقق الحد الأدنى من العدالة. بات شعب الحضارات العريقة غارقا بالأزمات المتتالية وقصة حزينة عناوينها فساد وبطالة وطائفية وتمزق. الفشل باحتواء الطائفية أولا، ودور إيران في العراق ثانياً، أسباب أساسية لحالة الفوضى والنزيف المستمر الذي يعاني منه العراق.
الطائفية البغيضة وصلت أقبح مستوياتها في العراق وبرعاية رسمية. مؤسسات الدولة باتت انعكاسا للطائفية تؤطرها وتأتمر بأمرها، بما في ذلك دستور بريمر وما بعده الذي أسس لطائفية ومحاصصة قريبة من النموذج اللبناني، تظهر شكلاً أنها ديمقراطية لكنها في الجوهر ليست الا مأسسة للتقسيم الطائفي الذي يتعارض حكماً وجوهراً مع الديمقراطية وفحواها الدولة المدنية التي تعامل المواطن وترده لمواطنته لا لطائفته. في كل مرة، وفي أية دولة، تجد فئة من المجتمع أنها مهمشة يتم إقصاؤها، تبدأ الانقسامات ويحل العنف. الاقصائية عنصر رئيس محفز للعنف والارهاب ولدينا في الشرق الاوسط أمثلة عديدة تثبت ذلك. ما لم يشعر المواطنون، بصرف النظر عن طوائفهم وجغرافيتهم وأصولهم، ما لم يشعروا أنهم متساوون فذاك هو المدماك الاول على طريق العنف والتطرف والصدام. هذا ما حدث ويحدث بالعراق، فالشحن الطائفي وبرعاية رسمية ودعم إيراني مشهد عراقي يومي حاضر. يكفي جولة على محطات التلفزة العراقية ليصاب المرء بالفزع من جراء الشحن السياسي والاثني التقسيمي الكارثي. تلك من اللحظات التي يسجد فيها المرء حمداً وشكراً لله أنه يعيش في دولة كالأردن لا تسمح وتعارض بشدة هذه الظواهر الى أن غدت غير متخيلة في مجتمعنا الاردني. لا يمكن ان نرى بالاردن إعلاما يحرض طائفيا او عرقيا او جغرافيا، ولا نجد حزبا اقوى من الدولة، في حين أنها ظواهر مألوفة في العراق ولبنان تنفذ رؤية وأجندة ايران في تلك الدول.
إيران لاعب سياسي إقليمي خطير. بالنسبة لايران، العراق ولبنان وسوريا واليمن مناطق نفوذ وهيمنة يجب حمايتها، والتأكد أنها تستمر لتكون ادوات بأيدي إيران وطموحاتها الاقليمية، ودون ذلك فليذهب استقرار العراقيين واللبنانيين وازدهارهم للجحيم. مؤسسات العراق وكثير من السياسيين هناك أصبحوا رهينة وأدوات تأتمر بما تريده طهران وضباطها العاملون بالعراق، ومن يرفض او يقاوم يحكم على نفسه بعقوبات تتراوح بين القتل والعزل وما بينهما من أنواع عقوبات.
ما لم تشعر كافة مكونات الشعب العراقي أنها جزء من نظام الحكم السائد، تشارك بالقرار بطريقة أو بأخرى، سيستمر العنف يخبو في حين ويظهر في أحيان. الاقصائية والانتقامية التي مارسها المحسوبون على ايران ضد فئات من العراقيين جعلتهم قنابل موقوتة تنتظر لحظة الانفجار.(الغد)