وزراء الخارجية بين صفات التميز والنجاح
السفير الدكتور موفق العجلوني
03-01-2020 01:50 PM
بعد تجربة طويلة امتدت على طول اكثر من ٣٠ عاماً في العمل الدبلوماسي لبلدي الأردن من اقصى الكرة الارضية الى أقصاها ، عملت فيها مع ١٢ وزيراً للخارجية ، و شغلت عدة مواقع و في عدة بلدان من درجة ملحق دبلوماسي الى درجة سفير مفوض و فوق العادة ، ومستشاراً سياسياً و دبلوماسياً ، و استاذاً جامعياِ ، ومديراً ومستشاراِ لمراكز دراسات و أبحاث استراتيجية ، و اعلامياً ، أستطيع القول إنني أصبحت قادراً الى حد ما رصد الصفات الواجب توفرها في السفراء ووزراء الخارجية الناجحين والذين اكتسبت و تعلمت منهم الكثير من صفات النجاح نظرياً و عملياً سواء اردنيون او عرب او مسلمين او أجانب . وأصبحت صفات النجاح والتمييز اليوم مطلباً ضرورياً لوزراء الخارجية وكذلك السفراء أكثر من أي وقت مضى بالنظر إلى الأزمات الدبلوماسية والسياسية الاقتصادية والأمنية التي يعيشها العالم وخاصة عالمنا العربي وتأثير السفراء ووزراء خارجية على السياسات الخارجية لدولهم ومدى نجاحهم في مهماتهم.
ولعدم الحرج لن أعرج على اصحاب المعالي وزراء الخارجية الاردنيين، حيث كان منهم لا بل اغلبهم ناجحون الى درجة الامتياز ونفر منهم فاشل الى درجة انعكست سلباً على سياتنا الأردنية الخارجية وعلاقاتنا الثنائية و المتعددة والمصالح الاردنية العليا.
اما تقييم السفراء وصفات السفير الناجح، فلن اخوض في هذا المجال لأنني أحدهم واترك هذا الامر لأخرين أقدر مني للتقييم، وانا شخصياً يسعدني ان أكون اول المقيّمين" بفتح الياء “من أصحاب الضمير والخبرة الدبلوماسية والسياسة في الاردن الذين عرفوني في الخارج اولاً والداخل ثانياً.
في المقابل هنالك وزراء خارجية عرب كانوا مثالاِ في النجاح والتمييز وهم معروفين للقاصي والداني ... واستطاعوا التميّز في مجال الدبلوماسية والسياسة الخارجية لبلدانهم في أوقات الشدة واوقات الحرب والسلم، وتحقيق العديد من الإنجازات لبلدانهم ولشعوبهم.
ومن أبرز الصفات الواجب توفرها في وزراء الخارجية :
• ضرورة استحواذ وزير الخارجية على الشخصية المناسبة، بمعنى لابد لوزير الخارجية أن تتوفر في داخله وفي ان واحد "على سياسة فرويد " خصال الممثل والمدرس والتقني والمستفز والصديق، وهي صفات طبيعية في أغلبها ملتصقة بالشخصية البشرية بخلاف الصفات الأخرى التي يكتسبها الإنسان أثناء مسيرته الحياتية مثل الحضور البدني والفكري.
• لابد عند التفكير في اختيار وزير الخارجية الأخذ في عين الاعتبار عنصر الثقة الذي يتعين أن يحظى به من قبل الملك / الأمير /الرئيس، على رغم ما يعتقد البعض من أن اختيار وزير خارجية يجب ان يكون مقرب من الملك / الأمير /الرئيس، هذا ليس أمراً ضرورياً، إلا أن ثقة مهندس العلاقات الخارجية أساسية لإنجاح دبلوماسية الدولة.
• يجب ان يكون اختيار وزير الخارجية مرتبطاً بإمكانياته التفاوضية ومدى قدرته على إدارة الأزمات وحل المشاكل، وهو ما يعني ضرورة توفره على نظرة دقيقة وصارمة تجاه العالم يسعى من خلالها إلى التوفيق بين اهداف بلده من جهة وبين الوسائل المتاحة لتحقيقها من جهة أخرى. وبالطبع ليس هناك مجال في الدبلوماسية الناجحة للعقول المتشددة التي تفتقد إلى المرونة في العلاقات الدولية والتعامل بذكاء مع التناقضات التي تفرض نفسها في العلاقات بين الدول. وهنا تبرز أيضاً القدرة على رصد الفرص المحتملة واستشعار الصفقات الممكنة واستغلالها “إذا هبت رياحك فاغتنمها “، وهي أمور كلها لها صلة بطبيعة الشخص أكثر منها بالمهارات المكتسبة.
• يجب ان يتحلى وزراء الخارجية بالدهاء والصرامة، بحيث يتحول وزراء الخارجية إلى لاعبين أكفاء في التعامل مع الأصدقاء والخصوم. وفي هذا الإطار تصبح الخديعة ضرورية أحياناً، بالإضافة إلى المناورة الدائمة والمستمرة والسعي إلى استخدام جميع الوسائل من حوافز وضغوط وغيرها لبلوغ الأهداف الوطنية للدولة " (هنري كيسينجر ") .
هذه اضاءات عامة على صفات وزراء الخارجية ، لان وزراء الخارجية هم الوجه الحضاري الخارجي لبلدانهم ، و هم الصورة التي تعكس داخل بلدانهم للعالم ، و هم يمثلون ليس فقط رئيس الدولة ، و انما كافة مؤسسات دولهم في حلهم و ترحالهم و تمثيل بلدانهم ، و بالتالي يجب ان يكون وزير الخارجية مسلح بكل شاردة وواردة ، وان يكون ملم بكافة المعلومات ليس فقط السياسية ، ولكن الاقتصادية و التجارية و السياحية و الاكاديمية و العلمية و الإعلامية و الصحفية ، و التاريخية ، و ان يكون مواكب لكافة التطورات الداخلية في بلدة والخارجية و ما يجري حول العالم وخاصة التي لها مساس في بلده .
ربما من السهل لمعطيات سياسية او حزبية او دينية او طائفية او محسوبية او وراثية او لمعطيات معينة... ان تكون وزيراً للخارجية ... ولكن ليس من الضرورة ان تكون وزير خارجية ناجح و متميز ! والعكس صحيح . لان وزير الخارجية لا بد ان تتوفر فيه صفات بعينها ذكرت جلاً منها لا جميعها ... !