الأردنيون على موعد مع الغاز الجديد القادم من الغرب. لسنوات طويلة اعتدنا على البترول القادم من الجزيرة العربية وبلاد الرافدين والغاز المصري القادم عبر سيناء. لم يدر في خلد اي منا ان يكون الغاز المتوسطي هو المصدر المستقبلي لطاقة الأردن. منذ اكتشاف البترول في البلدان العربية ونحن نحصل على حاجاتنا من النفط والطاقة من مصادر عربية تارة على هيئة تبرعات واخرى منح وفي معظم الاوقات بأسعار تفضيلية. حفظ الأردنيون جميل القيادة العراقية التي غطت معظم احتياجاتنا خلال السنوات العجاف وكانت عمقنا الاستراتيجي باعتبارنا احد اهم دول المواجهة.
اليوم ينشغل الشارع الأردني بأنباء وصول الغاز الذي سوقته إسرائيل الى البلاد في الوقت الذي ترتفع فيه اصوات النواب وتتعالى نبرات تنديدهم بالصفقة يعلن وزير الطاقة الاسرائيلي عن استعداد بلاده لبدء الضخ للأردن. وصول الغاز الكنعاني الفينيقي الى الأردن يثير جدلا شعبيا واعلاميا ونيابيا واسعا. الكثير من الحديث نابع من رفض الشارع الأردني للصفقة والسرية التي أحاطت بنودها والشركات الخارجية والداخلية التي عملت على ترتيبها والتوقيع عليها.
بموجب التشريعات الأردنية لا تعتبر الاتفاقيات التي تكلف الخزينة وتؤثر على واقع المواطن الأردني نافذة وملزمة ما لم يجر المصادقة عليها من قبل مجلس الامة. لتبرير عدم عرض الاتفاقية على المجلس النيابي اصدرت بعض الجهات المختصة فتوى بجواز وصحة الاجراءات كون الاتفاقية ابرمت بين شركة واخرى.
الفتوى الصادرة تجاهلت ان الاتفاقية ترتب اعباء مالية على المواطن وعلى الخزينة. في كل مرة يجري الحديث عن المديونية تطفو على السطح فاتورة الطاقة واسعار الكهرباء فالحكومة تتولى اطفاء ديون الكهرباء كلما ارتفعت وتتحمل الكثير من التبعات التي تترتب عليها ويأتي كل ذلك من الخزينة.
ما يحدث في موضوع الغاز ليس منفصلا عما يحدث في ملف الطاقة. منذ سنوات تحول الملف الى قضية مقلقة تستحوذ على اهتمام الناس ويثير تساؤلاتهم. توليد الكهرباء وتوزيعها والمصفاة ووزارة الطاقة وشركة البترول الوطنية وشركة استيراد البترول والمصفاة ووزارة الصناعة والتجارة ولجان التسعير وغيرها من الاطراف والشركات والاشخاص تقاسموا مهام توليد وشراء وانتاج وتكرير وبيع الطاقة بعد ان كانت مسؤولية جهات حكومية او شبه حكومية محددة.
اليوم ومع ان الاردن ليست دولة نفطية حسب التعريف العالمي للانتاج الا ان اقتصاد الدولة والمالية العامة يعتمدان بصورة كبيرة على شراء وتسويق وبيع الطاقة. في حالة تكاد ان تكون نادرة تستوفي الخزينة رسوما عن كل لتر او وحدة حرارية تدخل البلاد وعن كل لتر يستهلك على ارضها وبارقام تقارب او تزيد على السعر الاصلي لهذه المواد في البلدان المنتجة لها.
الطاقة واساليب وطرق شرائها كنفط خام او غاز مسال او انتاجها وتوليدها وتسعير المنتج محليا منها وبيع المستورد على هيئة مشتقات نفطية او على هيئة كهرباء عبر شركات التوزيع قضايا مثيرة للتساؤل والجدل. في الأردن لا احد يفهم شراء لتر البنزين بدينار او يزيد في الوقت الذي لا تصل كلفته في اي من بلدان الجوار الى نصف هذا الرقم. بالمقابل يستغرب الناس تسعير شركة الكهرباء للكيلووات من الكهرباء المنتج محليا بـ12 فلسا في الوقت الذي تبيعه للمستهلكين باسعار تصل 140 فلسا او يزيد.
حتى اليوم لا احد يملك القصة الكاملة للغاز. فالموضوع متشابك ومتداخل وغير مفهوم. المعلومات المتوفرة عن اصل القصة وتفاصيل الصفقة وهوية الاطراف المعنية بتوقيع الاتفاقية ليست واضحة تماما. كما ان الحديث عن اسعار الوحدات الحرارية ومدى تطابقها مع اسعار السوق غير معروفة تماما.
لم اقابل حتى اللحظة شخصا واحدا يؤيد اتفاقية استيراد الغاز من الكيان الصهيوني ولم اسمع وجهة نظر منطقية واحدة تفسر الاسباب التي دعت الى مثل هذا القرار. الصحافة والنواب يستنكرون الاتفاقية ويدعون الى اسقاطها. رئيس مجلس النواب واعضاء المكتب الدائم قالوا بأن جهودهم ستنصب على إلغاء الاتفاقية والعشرات من النواب صرحوا مجتمعين ومنفردين بضرورة العمل على إسقاطها.
الاسئلة التي تقدم بها النواب الى الحكومة حول الاتفاقية واستمرار تجنب الاجابة الدقيقة عليها واستمرار اصرار البعض على اسقاطها بالرغم من دخولها حيز التنفيذ قضايا ستشغل الشارع والاعلام والنواب خلال الايام والاسابيع القادمة ومع ذلك ستمر الاتفاقية كما مر الكثير من القرارات التي لا سند شعبيا لها.
(الغد)