مسؤولية المثقفين الأردنيين في رفض التصنيف الإقليمي والجهوي
باتر محمد وردم
17-12-2009 12:49 PM
لم يكن التقرير الذي بثته وكالة أنباء رويترز حول تشكيلة الحكومة الأردنية الجديدة موفقا لا من حيث المهنية الإعلامية ولا المضمون. لقد بدا التقرير وكأنه وجهة نظر شخصية لكاتبه، ويستند خمس مرات إلى "مسؤولين" لم يفصح الكاتب عن أسمائهم، وعرض وجهة نظر واحدة واضحة الإنحياز وتخلى بالتالي عن أهم قواعد العمل الإعلامي في إعداد التقارير الإخبارية التي يجب أن تتسم بالحياد والمهنية معا.
ليس من واجبنا كيل النقد والنصائح لكاتب التقرير لأن من واجب مؤسسته التي تعتبر مدرسة في علم الصحافة أن تحاسبه على هذا الخلل المهني الخطير، والذي لم يظهر للمرة الأولى في هذا التقرير بالذات بل سبقته عدة إشارات واضحة في تقارير سابقة. وقد سبق أن كتبنا قبل اسابيع عن غياب المنهجية الإعلامية الأردنية الواضحة خاصة في شرح واقع الحال في الأردن باللغة الإنجليزية وعدم السماح بالسيطرة على الساحة الإعلامية والإخبارية الدولية من قبل مجموعة من مراسلي وكالات الأنباء العالمية، مع كافة الاحترام لشخوصهم، والذين قد يحيدون عن قيم الموضوعية ويوظفون وكالاتهم ومواردها وقدراتها الهائلة على الإنتشار في خدمة أو مناكفة شخصيات سياسية معينة وطرح آراء شخصية في الجدل السياسي الداخلي.
ولكن ليس من المقنع ايضا تجاهل حقيقة أن هناك إشكالية موجودة في العمل السياسي الأردني تتعلق بالتصنيف الإقليمي والتي بدأت تتطور كظاهرة منتشرة بين الإعلاميين والسياسيين أنفسهم والذين يفترض أن يكونوا متنورين وقادة للرأي العام. وإذا ما راجعنا أرشيفا لبعض المقالات والأخبار التي نشرت في وسائل إعلام محلية حول قضايا اقتصادية وسياسية ذات طبيعة إشكالية وخاصة سياسات الإصلاح السياسي والاقتصادي لوجدنا فيها ظهورا واضحا لمحاولات تصنيف مبنية على الأصول والمنابت، وهو توجه إدى إلى حرف سياق النقاش عن المسار الصحيح وأضر بجهود الإصلاح السياسي والاقتصادي من خلال ربطها تعسفيا بمنهجية السوق الحر والليبرالية الاقتصادية الجديدة ومنطق المحاصصة الذي يستند إلى نظرية "الحقوق المنقوصة" وتبادل الأدوار في المجتمع، وفي النشاط الاقتصادي والحكومي.
هنالك تفاهم غير مكتوب ولكنه مؤثر يقضي بأن تكون التركيبة الوزارية ذات توازنات جغرافية معينة، وقد سبق أن أثار خرق هذا التفاهم أزمة كبيرة قبل 4 سنوات في حكومة عدنان بدران شلت عملها لمدة 3 اشهر قبل أن يحدث تعديل أعاد الميزان إلى حالته المعتادة. هذا ليس إلا نتيجة طبيعية لمنهجية تشكيل الحكومات والتي تستند إلى المشاورات الشخصية وليس التشكيل الحزبي البرامجي المنظم. ولو دققنا النظر في الكثير من التعليقات الواردة في المواقع الإلكترونية بالذات لوجدنا أن هنالك أكثر من 30 جهة من عشيرة ومحافظة وبلدة تعتقد بأنها مظلومة في التشكيلة الحكومية، ولا يمكن أن نضع اللوم على المواطنين لأن هذا الثقافة صنعها النشاط السياسي وبعض سياسات الإسترضاء التي جعلت أية لائحة من المناصب، سواء كانت تشكيل حكومة أو مجلس أمناء لجامعة أو منتخب لكرة القدم عرضة للتقسيمات الإقليمية والجهوية.
الديمقراطية الوطنية، المستندة إلى معايير النزاهة والكفاءة هي التي تمثل الأداة الوحيدة لكسر ثقافة التصنيف التي أصبحت راسخة في أذهاننا. في مجتمع يمتلك تجانسا في الرؤية السياسية وفي الاتفاق على ضرورة تحقيق العدالة الاجتماعية في التنمية ومواجهة السياسات الإسرائيلية لتصفية القضية الفلسطينية سوف تغيب تدريجيا الأحاديث حول التصنيف الإقليمي ومن المهم أن يكون المثقفون من الكتاب والإعلاميين والسياسيين في طليعة القوى التي تدعو إلى التوعية الوطنية ورفض التقسيم الإقليمي والجهوي.
تكونت المملكة الأردنية الهاشمية كدولة عربية ذات بعد قومي وسوف تبقى، ولكن في سياق عدم التيقن مما قد تسفر عنه السياسات الإسرائيلية الخطيرة وغياب الدور السياسي الفلسطيني في مواجهة ذلك وزيادة الإنقسام ما بين فتح وحماس، فإن شعورا طبيعيا بالقلق على مستقبل واستقرار الأردن سوف ينتشر بين المواطنين وخاصة عندما تأتي تقارير وكتابات وتصريحات غير مسؤولة تغذي هذا القلق. ولكن من المهم أن يتم توظيف هذا القلق المشروع بطريقة بنّاءة لحماية الدولة الأردنية وأن لا يتم السماح بتحوله إلى عبء سياسي داخلي قد يشكل أفضل بوابة اختراق للمشروع الإسرائيلي.