لقد تسلل حرّاس الأنظمة والمال وأعوانهم في بلاد العرب إلى مواقع السلطة عبر منافذ وثغرات قانونية وتعليمات صيغت بنودها، وفصلت موادها على مقاساتهم ليلبسونها أو يلبسونها لغيرهم ممن اتبعوا أمرهم وأهواءهم ومصالحهم، وممن يحرسون أموالهم، فأصبحت السنتهم حداد، وتنمروا على غيرهم، وباتوا يتحكمون بمفاصل الدولة بأسلوب خفي حييّ أحيانا، وعلني وقح أحيانا اخرى، يرفعون المجرور والمطروح، وينصّبون الفاعل الجاني، وراح أخوة الجهالة في الشقاوة بتنعمون، وعلى اوجاع غيرهم يتلذذون، وهم لجهالتهم جاهلون، وبدلا من أن يكونوا وأمثالهم ممن شربوا حتى الثمالة من الماء الآسن، وارتووا بالهمالة، وتمادوا في سرقة الاوطان، فبدلا من أن يكونوا خلف القضبان قابعين، صار لهم شأن في المجالس، وتقدموا الصفوف في حقبة غابرة من هذا الزمان .
حرّاس الأنظمة والمال مأسسوا الفساد، واشتروا ذمم حفنة من المتملقين وولاءاتهم ووقعوا معهم عقود الاذعان والخذلان، والذل والمهانة، تلك الحفنة التي هانت عليهم أنفسهم، وابتلعوا كبرياءهم، فساهموا في صعود من يحرسون أيما صعود، ومع هذه الحال صار حراس الأنظمة والمال واصحاب النفوذ والسلطة على استعداد تام، ومتأهبين للقتال بشراسة من اجل الاستمرار في الصعود، ولا يهمهم كيف يصعدون وأية رقاب يدوسون، يصعدون وعن افعالهم غير نادمين، ويرفضون النزول، ولا يؤمنون بقانون الجاذبية السياسية إلا أن يجذبهم الموت، فيصبح هؤلاء المارقون في مزبلة التاريخ غارقين لأنهم أسقطوا أوطانهم ومصالح المواطنين من حساباتهم فأسقطتهم الاوطان، وأصبحوا في عيون وأذهان الشعوب وسجلات التاريخ من الغابرين.
حرّاس الانظمة والمال والمتنفذين لاعبون مراوغون تسللوا من خلف الصفوف إلى مواقع السلطة بغير حق، تغاضى عنهم الحكام والمراقبون، والاجهزة المعنية بمكافحة الفساد ومراقبو الخطوط، فاستحق الكثيرون غيرهم ضربات حرة إلا أنهم حرموا منها زورا وظلما وبهتانا حتى باتت الهزيمة تلاحق خصومهم في كل ساحات العمل، وأنزلوهم تحت وطأة الظلم والجور إلى مواطنين من الدرجة الثانية، ثم تم تغييبهم عن ساحات العمل قسرا وبشكل نهائي.
حرّاس الأنظمة والمال والمتنفذون هم نتاج لأنظمة حاكمة مستبدة مشلولة الإرادة، وسياسات ظالمة أنتجت عجزا عربيا، واضعفت من قيم المواطنة والانتماء لدى الشعوب، وتسببت في ظهور أنظمة اقطاعية وعائلية بلغت من الطغيان والفساد علوا كبيرا، وسيطرت على المال ووسعت من دائرة الفقر والتهميش، حتى اذا ما طلب المستضعفون والفقراء منهم ونادوهم أن أفيضوا علينا من المال، ومما رزقكم الله، قالوا إنها محرمة عليكم، إلا قليلا مما منّت به أنفسهم رياء وأذى وتساخيا.
حراس الأنظمة والمال أنتجوا أوضاعا أكثر بؤسا، وفاقموا من حالة الكبت والاحتقان لدى شريحة كبيرة من المواطنين ممن باتوا يدعون الله أن يحبط أعمالهم، وأن يحيط بأموالهم، وأن تصبح ممتلكاتهم خاوية على عروشها، وأن يصبح ماؤهم غورا لا يستطيعون له طلبا.
دفع حراس الأنظمة والمال والفساد بالعلماء والمفكرين إلى الصفوف الخلفية المنسية، ولأجلهم وجدنا عظماء يبيتون في السجون، والجبناء الفاسدون تائهون في المجون، وعلماء أضحت اقامتهم جبرية في البيوت، وجهلة في القصور يلعبون ويرتعون، وفي متاع الدنيا الملعون يتيهون ويسبحون، وأعداء الأمة على الاسوار يرقبون ويتربصون، يدسون لنا السم ويؤججون الانقسامات، ويغذون الفساد، ويدفعون بحراس المال والأنظمة الفاسدة إلى مواقع السلطة.
أعتقد وأرجو الله أن لا يكون اعتقادي خاطئا أن ثمة بوادر توحي بالأمل والتفاؤل، وأظن وكلي أمل بأن ظني ليس آثما أن القادم يحمل تباشير الخير ولو بعد حين، وهناك زوال يلوح في الافق البعيد، وأرجو أن لا تخونني عيناي، ما يؤشر إلى بزوغ فجر جديد، فكل شيء سيء إلى زوال، فالأمة العربية في هذا الوقت تئن عطشى اكثر من أي وقت مضى لبدائل للحالة الراهنة حيث الممارسات السيئة السلبية والانظمة الغافلة الغارقة، أمة العرب تمرض ولا تموت، تغفو حينا وتصحو حينا آخر، ولا بد ليلها أن ينجلي، وتلك ليست بأحلام أو تمنيات فتاريخ الأمة وخلاصة تجارب الشعوب التي مرت بمثل ظروفها خير شاهد.