وزارة التربية وتحديات المرحلة
فيصل تايه
02-01-2020 11:27 AM
تفاءل الكثير من التربويين لعودة معالي الدكتور تيسير النعيمي وزيراً للتربية وهو القادم من رحم مؤسسة التربية والتعليم الذي قضى عمره في خدمتها ، فكان أهلا لحمل المسؤولية التربوية على مدار خدمته ، رجل يحمل الأفكار الكبيرة التي تخاطب العقول الخيرة ، لذلك فنحن نأمل في عودته تصحيحا للمسار التربوي المتعثر منذ زمن ، ليخط القرارات الصائبة التي نحتاجها ، فكلنا على يقين ان في مخيلته الأعمال الكبيرة التي يمكن لها النهوض بنظامنا التعليمي ، فالجيل التربوي الذي واكب مسيرته يهمهم في الدرجة الأساس من يفهم المنظومة التربوية وخصوصيتها الاردنية ، لاعادة صياغة المعادلة الكفؤة لمواجهات كل التحديات التي عصفت بمؤسستنا التعليمية ، ونحن على ثقة بالعقلية المنفتحة لمعالي الوزير ، ونظرتة التربوية الشمولية ، والتي تجعل من عودته احياء للعملية التعليمية ، وأعتقد أن في فِكرِه استرايجية فاعلة لاعادة البناء الهيكلي للوزارة لها مقومات حضارية ، بالاستعانة بكل الفاعلين التربويين ، فمعاليه يدرك أنهم من يصنعون التغيير في كل الأحوال والظروف ، وهم المعين ولا يمكن الاستغناء عنهم ، وكذلك فانه لمن الواجب إعادة النظر لعناصر القيادة التربوية العاملة ، وايجاد الكفاءة في وسائل التنفيذ ، وإرساء قواعد العدل والمنطق والمساواة ، اضافة للدعوة لبدء الفعلي في حوار وطني صريح ، لاعادة الاعتبار والهيبة للشخصية التربوية الأردنية الفاعلة ، بكل مقوماتها الحضارية ، واستئصال أدران الماضي ، التي كان يستحوذ عليها العابثين ، والذين أساءوا لمنظومتنا التربوية !
نحن اليوم أمام أزمة تتفاقم في مجال توفر القيادات الأكاديمية المؤهلة ، ونحتاج إلى حلول عملية تسهم في تأهيل وتدريب وتهيئة وتوفير مثل تلك القيادات ، والتي يطلب من شاغلها الإلمام بجملة من المفاهيم والمهارات التي يتطلبها المنصب القيادي الأكاديمي ، فمثل تلك المهارات تتطلب نوعين من التدريب ، الأول يتمثل في المشاركة والتدريب والتدرج مع أصحاب الخبرة والثاني عبر المشاركة في برامج تدريبية متخصصة في المجال الإداري بصفة عامة والأكاديمي الإداري بصفة خاصة فالبرامج الحالية وهي ذات صبغة تربوية لا تؤهل قيادات أكاديمية بقدر ماهي تبحث في بعض الجوانب التعليمية والتربوية ، فالوزارة لم تسع إلى تدريب قيادات بشكل كاف داخلياً أو خارجياً في مجال الإدارة والقيادة الاكاديمية ، فجسد التربية سيبقى يعاني من نقص في كفاءة القيادات سواء على مستوى المديريات التعليمية ام المركز ، ما يستدعي الحاجة الماسة لخطة فورية وسريعة لمعالجة هذا الخلل ، مع ضرورة التاكيد على تأهيل صف ثان وثالث في الوزارة لقيادة العملية التعليمية والتربوية ، لذلك يجب علينا ان نعمل من الآن ، لتجهيز البديل للقادة التربويين قبل احالتهم للتقاعد ، وايجاد كوادر تربوية وطنية طموحة ترسم لنفسها خطا مهنيا لامتلاك مقومات واسس القيادة ، كذلك فان مؤسسة التربية والتعليم ، لن تحقق غايتها ، إلا بالمراجعة الدورية لعناصرها مجتمعة ، ولأن تلك العناصر ، تحتاج إلى مساحة أوسع مما هو متاح، فالمنطق الاستحواذي الذي كان سائدا في فترات سابقة جرد الوزارة من مؤسسيتها وافقدها التوازن والتنظيم كما وان البيروقراطية التي عانت منها الوزارة طويلاً افقدتها العدالة وتكافؤ الفرص .
نعود الى التاكيد ان مؤسستنا التربوية تقف اليوم في منعطف خطر ، تعاني فيه أيضاً من نقص واضح في الكفاية الإدارية ، الإنتاجية ، التنظيمية والفنية، وخاصة بعد موجات التقاعدات التي هدفت الى التخلص من نظام التقاعد المدني والابقاء على نظام الضمان الاجتماعي ، كما وتعاني أكثر من التجاوزات من بعض القيادات التربوية التي وصلت إلى ما وصلت إليه بالمحسوبية ، ومثل هذه التجاوزات معروفة للداني والقاصي في الميدان التربوي ، فالبناء المؤسسي الحالي بحاجة إلى معالجة جذرية ، من خلال انتهاج سياسية التقليم الاثماري ليصبح جسم هذا البناء التربوي قادراً على الفاعلية والعطاء ، لإحداث التغيير الشامل في البنية والهيكل والمسار بدءاً من بعض القيادات الإدارية العليا في قلب الوزارة ، التي تفتقر إلى الخبرة والكفاءة والتجانس والكفاية الفنية والإدارية ، وصولاً إلى كثير من القيادات الميدانية اضافة الى اعادة النظر في برامج المعلمين التدريبية التي تفتقر إلى دراسة أثرها الفاعل .
الضرورات الحتمية تتطلب أن تسعى وزارة التربية والتعليم لتطوير نظمها التعليمية كافة، بجهود الجميع وبما يمكن من بلورة فلسفتها التربوية ، في صيغة واضحة المعالم، إدارةً، وتنظيماً، وطرقاً، أساليباً، تقنيات وآليات، وبشكل جذري وفاعل ، وإما أن يظل مستقبل التعليم والأجيال في غياهب الجب والعدم ، وهذا من شأنه القضاء التام على طموحاتنا الوطنية، إضافة إلى الإحباط وخيبة الأمل ، فما وصلت اليه وزارة التربية والتعليم يعود الى معاناتنا في فترات سابقة من سياسة القمع والتضييق ، التي مورست في غياب المؤسسية ، وربما استبعد الكثير من القيادات الفاعلة والمتخصصة لأسباب شخصية ، وهؤلاء يعملون حالياً في مؤسسات عربية وغربية مرموقة ، يبدعون ويتألقون ، فهم محط اهتمام ورعاية مادية وعضوية مشجعة ، لذلك فإن على مؤسسة التربية والتعليم ، أن تضم نخبة مميزة من الخبراء قادة الفكر التربوي الكفوءة ، نخبة إستنارت لتنير ، وعرفت ثم جعلت همها أن تنشر العلم والمعرفة والعدالة بموضوعية في الآخرين ، فالمؤسسة التربوية ليست مجموعة مكدسة من الموظفين أو العاملين في أقسامها ومديرياتها فحسب ، إنما هي تنظيم للسلطة الأساسية ، سلطة التشريع والتوجيه والضبط في الإدارة.
ويبقى الامل معقود في قيادة معالي الوزير الواعية ، المدركة لحقائق الأمور، المتسلحة بالعلم والخبرة ، والمعنية بالتغيير ، التغيير الذي لا يكون تبديلاً عشوائياً في الوظائف لمجرد التغيير ، بل يجيء تشيداً لبناء جديد يقوم مقام البناء المتصدع حالياً ، على امل انتظار ما سيحدث من تغيرات جذرية في العملية التربوية عامة ، وفي المناهج ، بما يتماشى مع قيمنا العربية والاسلامية ، وكان الله في العون .
مع تحياتي