دُعابات ونُكت ومدح وذم لعام 2019، والحال نفسه في استقبال 2020،وكل حسب ما تحقق له من خير أو شر، وهكذا هي سُنة الحياة، فاعوام الدهر تتوالي نقصاً في الاعمار المتسارعة، لأن الانسان يستعجل الوقت في آخر الزمان، بحثا عن مكاسب لا تأتي في الغالب، لصعوبات الحياة التي تتراكم، لغياب بَركة المال والأكل والشرب والعمر.
التفاؤل والتشاؤم لهما ما يبررهما بصفة شخصية، ولكن في الحالة الجمعية المنتظر–رغم انه في عالم الغيب- يؤشر لضيق اقتصادي وضجر نفسي واجتماعي، لأسباب متعددة تتوافق مع المعطيات والمؤشرات والتحديات والفرص.
الحالة الصحفية والورقية بالتحديد تراهن على البقاء لتوالي الازمات، فوداع صحيفة «السبيل»، وقناة الاردن اليوم، وعشرات المواقع الالكترونية، دالة لقلق اعلامي مشروع، لا يُشرد مئات الصحفيين فقط، بل الاف العائلات التي تعتاش من الاعلام، وخاصة بعد فشل الدولة في التماهي مع الاعلام الحديث والرقمي، والتطورات المرتقبة، وحشرت نفسها في الزوايا الضيقة منذ عام 2010 بالتحديد، وتاهت في الاستراتيجيات والقوانين المعدلة والمحسنة والمشددة، والهجوم على الصحف الاسبوعية، ثم المواقع الالكترونية، ثم الاعلام الرقمي،والاستراضاءات، ما اف?د الاعلام الرصين والمهني توازنه وتأثيره، لصالح وسائل التواصل الاجتماعي والمنصات.
غاب الصحفي الحقيقي عن المشهد مكرهاً، بحثاً عن لقمة عيش، أصبحت صعبة المنال، بعد سنوات عجاف من انقطاع الزيادات السنوية، والحوافز، والمهنية لصالح مصطلح اربك الحقيقة قبل الحكومة، وتغنينا به وهو المواطن الصحفي، وعبر الفيس بوك..الخ، الذي اغرق المجتمع بالاشاعة، ونال من الثوابث والاشخاص والقيم والسمعة، لكنه كشف خبايا لم يكن للاعلام الحقيقي القدرة على الخوض فيها، بفعل هيمنة رأس المال والإعلان، وتكييف الافعال والاحداث حسب مقتضيات الحال والاهواء واصحاب النفوذ.
الصحف الورقية، ومؤسسات اعلام مرئي ومسموع والكتروني، ستعاني ماديا، وهذا سيقود للتأثير سلبا على المهنية، ورسالة الدولة، والدور التنويري الذي تراجع بفعل الهاء الاعلامي بمشاكل لم يصنعها، بل ورثها من إدارات متعاقبة قادته لوضع يرثى له، ومصاعب يصعب حلها، دون نظرة شمولية تتعامل مع الاعلام كسلطة اساسية ورابعة في الدولة، تحمل الوجع السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وتكون سندا لمستقبل الابناء والاحفاد، وذراعا للرد الموجع على اعداء الوطن والمتربصين به، بمضامين تحاكي المنطق والوعي، بعيدا عن ردات فعل انشائية، لا يتجاوز صدا?ا غرفا مغلقة، تُغفل ان الاعلام صناعة ودهاء، وفكر ورسالة، وليس مصانع انتاجية لمواد تجميل وعصائر والبان ينتظر توزيع أرباحها نهاية كل عام.
الحالة الإعلامية، ان لم تجد حلا ناجعا هذا العام، فاقرأ السلام، لأنها من الاساسات الرئيسية لاعمدة الدولة–ولا نقول الحكومة فقط–في رسائل مؤثرة، تصنع رأيا داعما لثوابتها وتاريخها وجغرافيتها وخطواتها، وتقود للتغيير الحقيقي في القيم والاخلاق التي تتهالك في بحر تشتد امواجه العاصفة، بفعل فضاء مفتوح، لا يعرف كيف يُضبط ايقاعه ومن.
ولا يحسن في هذا المقام القول » اشتدي ازمة تنفرجي» لأن عام 2020 سيؤسس لازمة خانقة للمؤسسات الاعلامية وخاصة الصحف الورقية، وهي الاساس الذي ما يزال حبرها يغذي وسائل الاعلام الاخرى بالتحليل والمقال والتفاصيل.
2020 العام الأصعب على المؤسسات الاعلامية، ان لم تطور نفسها وفقا للحداثة الرقمية والادارية والمالية، كي لا نقول » اكلت يوم أكل الثور الابيض»، مع التأكيد الاخير ان الصحفيين يدفعون ثمنا ليس من صناعتهم، بل قاده اليهم عثرات الحكومات والادارات، وهذا الثمن سرعان من يكون فوضى اعلامية ومجتمعية جديدة، لن ينفع معها تشديد القوانين وتقييد الحريات، لان الفضاء مفتوح وجاهل من يظن ان باستطاعته حجبه، أو وضع غربال يحول دون رسائله بغثها وسمينها.
ziadrab@yahoo.com
الرأي