الدولة لا تأكل أبناءها .. !!
د.طلال طلب الشرفات
01-01-2020 04:42 PM
ليس منصفاً ما يثار في الصالونات السياسية وأحاديث النخب المغلقة من أن الدولة قد أضحت تأكل أبناءها،وتلتهم قادتها المخلصين، وأن أسلوب اختيار القيادات السياسية في هذه المرحلة هو استنساخ هجين، وانسلاح عن مضامين الحرص والإيمان بثوابت الدولة، وأن ثمَّة مؤآمرة كونية او إقليمية للانقضاض على الهوية واستبدال منظومة الحكم في الدولة بأدوات غريبة ومغتربة من خلال انتهاج أسلوب هدم الدولة الممنهج، واستبدال الوطنية بالمواطنة، والشهداء بأصحاب الشهادات أيّاً كانت عوامل الاختبار أو مضامين الحرص.
الدولة لا تأكل أبناءها، ولكنها قد تتعرض لعوامل اختبار قاسية، وأدوات حكم وأساليب جديدة تفتقد للخبرة وتضطر للاختبار. والدولة –أي دولة– تمر بمراحل التمدد والانكماش، والزهو والخذلان، والصحوة والإنكفاء، وخطاب الحماسة والتحدي والهدوء الباهت المرتجف.
ولكن الدولة وهويتها الراسخة تبقى في كل الأحوال الثابت الأوحد، والقاسم المشترك لكل أبنائها في ضعفها وقوتها، وعوامل النهوض تكمن دوماً في بذور الحرص بشرط أن يبقى الإيمان بحتمية الانتصار على المخاطر ،والهويات الفرعية والمناطقية، وعوامل الضعف والخذلان حاضراً على الدوام،
ليس سراً وجود عوامل الانكماش في عضد الدولة وانكشاف ظهرها في مواجهة خذلان مواطنيها، وانحياز معظمهم للقلق وأغلبهم للهمِّ الخاص وبعضهم للوقيعة والسمسرة وخدمة الأجنبي والسفارات، وبات من الضروري التفرقة ما بين الخوف والخيانة، والتقصير والمؤآمرة، والاجتهاد والفساد. والدولة التي تعيش هذه الأيام مظاهر الأضطراب البنيوي تحتاج إلى مراجعة حقيقية وسريعة لأسباب ومسببات الرَّدة الشعبية، وغياب الثقة في القادة والمؤسسات، وإعادة انتاج النخب والقادة من الشباب.
الدولة الأردنية صعبة المراس ويصعب قيادتها أو إدارتها إلا من قوى المحافظين؛ لأن المجتمع الأردني بطبيعته محافظ، وإذا كان الليبراليون قد فشلوا في إدارة الدولة في مطلع الألفية الثانية، فإن القوى العلمانية، وأنصار الدولة المدنية، واضداد الدولة الريعية لن يصمدوا طويلاً في مواجهة المد المحافظ العنيد والذي أضحى يرفض كل شيء، والدولة المأزومة التي تعاني من مخاطر اقتصادية، وضغوط سياسية يصعب قيادتها من غير المحافظين؛ في حين أن القوى الليبرالية والعلمانية قد تكون أفضل في إدارة مراحل الرفاه والبحبوحة الاقتصادية، وهو أمر متعذر في الحالة الاردنية في هذا الوقت.
لا يجوز لأحد أن يمّن على الدولة بإخلاصه وتفانيه في الوطنية والمواطنة، ولا يليق بأردني أن يُحذِّر الدولة أو يُهدِدُها من مغبّة عدم إشراكه في الحكم والإدارة، فالوطن ليس شركة يتم تداول أسهمها بالمزايدة والمزاودة، ولا هو بيت متهالك إن اختل سارع الأبناء إلى اقتسام أعمدته. فالوطن رسالة بحجم الشرف ورواية لا يموت البطل فيها أبداً، وحكاية سرمدية تسرد للأبناء والأحفاد أبد الدهر.
الدولة لا تأكل أبناءها، ولكنها تدخرّهم لمنعطفات مهمة من تاريخها، ولحظات فارقة في تحديها للأعادي، وتصديها للمخاطر والظروف، والأردني الحرّ الشريف لا يربط ولاءه بمغنم، ولا يغادر الحرص والتضحية لمغرم، فلكل زمن دولة ورجال، ولكل مرحلة أعباء وآمال، والدولة التي أكرمها الله بشعب أصيل، وقيادة هاشمية حكيمة؛ تستحق منا أن نفتديها بالمهج والأرواح.
وحمى الله وطننا الحبيب من كل سوء..!!
الدكتور طلال طلب الشرفات