همسة في اذن رئيس الوزراء ،،،، مركز لمعالجة وتاهيل محاولي الانتحار ضرورة ملحه
د.حسين الخزاعي
16-12-2009 02:47 PM
عمون - د . حسين الخزاعي - سعدت ايما سعادة عندما دعاني الدكتور محمد الحباشنة اختصاصي الطب النفسي للمشاركة في حوار تلفزيوني في برنامج " بيتي " الذي يبثه التلفزيون الاردني كل يوم سبت ، ويقدم الدكتور الحباشنة فقرة طبية يسلط الضوء من خلالها على قضية اجتماعية مهمه، والبرنامج اصبح معروفا ومتابعا على مستوى الوطن وخارجه ، فالدكتور الحباشنه باسلوبه المشوق المحبوب يخاطب الشعب بلغته العربية القريبة من نبض الشارع البعيدة عن التكلف والاستعراض وسرد المصطلحات الطبية او الاجتماعية والحوارية باللغة الانجليزيه التي لا تناسب افراد المجتمع ، والحباشنة من خلال حرصه على التركيز على الهم الوطني نراه في كل اسبوع يناقش قضية من مختلف جوانبها لوضع الحلول الناجعه لها والقضية التي تشرفت بالحديث عنها والتي كثرت في الاونة الاخيرة هي قضية الانتحار .
بداية اقدم جل اعتذاري للقراء والباحثين ، فسوف ابتعد قدر الامكان عن الجوانب النظرية والتاريخية او الاشارة الى العلماء بمختلف اختصاصاتهم واهتماماتهم الذين بحثوا في موضوع الانتحار ، لأن من يتابع ظاهرة الانتحار يجد انها مشكلة قديمة قدم البشرية, والفلاسفة اليونانيون وعلى رأسهم (طاليس) اعتبرو الانتحار عملا غير أخلاقي يضر بالمجتمع والعائلة ، والديانات السماوية جلها طالبت بتوفير السعادة للبشرية والاهتمام والعناية بالجسد والبعد عن كل يعرض الانسان للخطر والتهلكة ، وبالرغم من ذلك فالانتحار قضية مؤرقة لدول العالم كافة حيث يحدث سنويا (مليون حالة انتحار ) وثلاثة ملايين حالة محاولة انتحار .
ولاني لست من هواة السرد الاكاديمي ساكتفي فيما تناولته في مقدمة المقال واتناول موضوع الانتحار في المجتمع الأردني ، وساختلف مع الكثيرين ممن يتهربون عن وصف الظاهرة على حقيقتها ، تارة نجدهم يقولون ان الانتحار ظاهرة ، والبعض الآخر يشكك ويقول انها مشكلة ، والآخر ينكر وجودها قائلا انها حالات فردية ، لا تهمنا كثيرا قضية التسميات والمسميات ،يهمنا ان نتوقف عند الحقائق والارقام والمعطيات المؤلمة التي تكشف لنا ان (70) حالة انتحار تام و(400 – 500) حالة محاولة انتحار تتم في الاردن سنويا ، ولا بد من الاعتراف بانه ليست كافة الحالات تبلغ عنها لان الانتحار يعتبر وصمة اجتماعية ، والحقيقة المؤكدة والمزعجة انه لا يوجد سجل وطني لرصد ومتابعة حالات الانتحار او محاولات الانتحار حتى نتوقف عند الرقم الحقيقي للقضية ، والجهات التي تقوم بتقديم خدمات لمواجهة هذا الموضوع " الدفاع المدني، الامن العام ،المركز الوطني للطب الشرعي ، وزارة الصحة " تنشر بشفافية الخدمات التي تقدمها في مجال محاولة انقاذ محاولي الانتحار عن طريق الحوار والتفاوض معهم في حال الابلاغ عنهم ونجحت مديريتي الدفاع المدني والامن العام في وقف كثير من محاولات الانتحار وتقديم الخدمات الطبية اوالاسعافية للمنتحرين الذين لازالوعلى قيد الحياة او ارسال المنتحرين الى المستشفيات .
تؤكد الدراسات التي تناولت موضوع الانتحار على انه لا يوجد سبب واحد للقدوم على هذا السلوك الانتحاري فهو نتيجة تفاعل سلسلة من العوامل تؤدي الى قيام الانسان بانهاء حياته ، ولذلك يعتبر من الصعب جداً وضع أسباب محددة للانتحار, فكل الدراسات القديمة والحديثة أجمعت على تضافر العوامل النفسية والاجتماعية والطبية فيما بينها لحدوث الفعل الانتحاري, وتعتبر الأمراض النفسية والاضطرابات العصابية والذهانية من المسببات الرئيسية للانتحار, ولكن فرويد (عالم النفس المشهور) أشار إلى أن الانتحار هو توجيه العدوانية الكامنة بالشخص ضد ذاته, أي أن هناك أزمة نرجسية يعاني منها الفرد تتجلى في اضطراب التوازن عنده بين العالم المثالي المنشود والعالم الواقعي المعاش.
وتتفق معظم الدراسات على ان اكثر من 90% من حالات الانتحار ترجع إلى أمراض نفسية وعقلية كالاكتئاب والفصام والإدمان. والنظرية النفسية تؤكد ان العوامل الاجتماعية مثل المشاكل الأسرية والتفكك الاسري وعدم الرعاية والتوجيه من قبل الاهل وانعدام الحوار الاسري الهاديء البناء بين الاهل وابنائهم والتربية السليمة التي تعزز الوازع الديني والاخلاقي عند الابناء في مختلف مراحل الحياة أو المشكلات العاطفية والفشل الدراسي والآلام والأمراض الجسمية أو تجنب العار تعتبر محرشات ومهيجات ومؤثرات للاصابة بالامراض النفسية التي تؤدي اذا لم تتابع وتعالج الى الانتحار .وفي الاردن تعتبر هذه العوامل هي اسا اانتحار ومحاولات الانتحار وخاصة اذا عرفنا ان (18%) من حالات الزواج في الاردن مصيرها الطلاق ، وان عدد حالات الخلع تزداد بسرعة الصاروخ حيث وصل العدد التراكمي الى (10250) حالة حتى نهاية عام 2008 ، وانصح الاهل بالانتباه الى ابنائهم ومراقبتهم والاهتمام في اي تحذيرات او اشارات تنطلق منهم او كلمات تتعلق في موضوع الانتحار ، واخذ هذه الاشارات موضع الجد لان معظم حالات الانتحار تحدث بصورة مفاجئة ، والتعامل مع ابنائهم الذين حاولو الانتحار في حضارية وعرضهم على اطباء متخصصين في الطب النفسي لمتابعة حالاتهم وعلاجهم .
الوضع في الاردن
منذ عام (2002) ولتاريخه وعدد حالات الانتحار في ازدياد مستمر حيث كان العدد لا يتجاوز (30) حالة في السنة ، و(150) حالة محاولة انتحار ولكن في عام 2009 ولتاريخة فان العدد وصل (70) حالة انتحار وبحدود (500 ) حالة محاولة انتحار والمقلق جدا انه منذ بداية نيسان الماضي ظهرت على السطح ظاهرة الانتحار العلني حيث ان العمارات الفارغة والابراج واسطح الدوائر الحكومية والمستشفيات اصبحت ملاذا لمحاولي الانتحار ، ولان الاقدام على الانتحار او محاولة الانتحار تعتبر من الناحية الاجتماعية وصمة عار فان الاسر تلجأ الى عدم الافصاح عن محاولات ابنائهم للانتحار . وفي جميع الاحوال فان هذه الاعداد مقارنة مع الدول العربية والاجنبية تعتبر قليلة جدا . ومع انها قليلة فان الحاجة اصبحت ماسة لانشاء مركز لمعالجة وتاهيل ومتابعة كل من يحاول الانتحار وعدم تسليمة الى الاهل الا بعد الشفاء تماما من الاسباب والدوافع التي دفعته لارتكاب محاولة الانتحار خوفا من اعادة المحاولة مرة اخرى ولعلنا نتذكر حالات مؤلمة جدا لسيدات حاولن الانتحار في المرة الاولى وتم اقناعهن بعدم الانتحار ، ولكن بعد فترة وجيزة كررن المحاولة وانتحرن وفارقن الحياة لانهن لم يعالجن ويتابعن من قبل اطباء متخصصين في الطب النفسي لمتابعة حالتهم وعلاجهم .
الوقاية والعلاج
من المهم جدا تقديم يد العون والمساعدة للأشخاص المعرضين لخطر الانتحار او الذين سبق لهم القيام بمحاولات انتحارية وذلك عن طريق:
1- الحرص على متابعة ومعالجة ذوي الاضطرابات النفسية خصوصا حالات الاكتئاب والفصام ومدمني الكحول، وحماية الفرد من المحيط وتوفير الرعاية الطبية والنفسية له .
2 - المراقبة الدائمة وعدم المبالغة في اللوم او استخدام العنف لمحاولي الانتحار حتى لا يكرر نفس السلوك .
3 – الانتباه والاهتمام في الاشارات والايحاءات والانذارات التي تصدر من الابناء او الازواج او الزوجات وتهدد في القدوم على الانتحار ، واخذ هذه التحذيرات على محمل الجد ، والاهتمام بها ومتابعتها ومعالجتها بطريقه حضارية وانهاء الاسباب التي دفعت لاطلاق هذه التحذيرات .
4 – من النتائج المقلقة التي كشف عنها استطلاع للرأي خاص أجراه مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية ونشرت نتائحه في الصحف الاردنية بتاريخ 28 تموز 2009 حول امتحان الثانوية العامة وقدم صورة قاتمة عن الامتحان حيث اعرب (5%) عن نيتهم في الانتحار في حال عدم حصولهم على المعدل الذي يتوقعونه وان و( 6% ) سيصيبهم شعور بالإحباط والفشل وهذه اشارات مقلقة .
5- الترفيه والترويح عن القلق وتأسيس علاقات تتسم بالهدوء والتفهم الكامل له من قبل المعالج او المشرف على التأهيل النفسي والديني والاجتماعي .
* استاذ مشارك – تخصص علم اجتماع – جامعة البلقاء التطبيقية
Ohok1960@yahoo.com