اواخر 2019 وبدايات 2020: مواجهة التحديات واقتناص الفرص
د. محمد أبو حمور
30-12-2019 12:41 AM
زخر عام 2019 بالعديد من التطورات والاحداث والتحديات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، واليوم اذ نستذكر بعضاً من هذه الاحداث فنحن انما نهدف الى الاستفادة من التجارب التي خضناها تمهيداً لمواصلة العمل والانجاز والسير قدماً في التصدى للمعيقات التي قد تعترض مسيرتنا، متسلحين بالثقة والامل وبان العام القادم سيشكل فرصة لتعظيم المنجزات التي تحققت ومواجهة التحديات والمصاعب وتذليل العقبات، مدركين في نفس الوقت اننا ننتقل الى العام الجديد مع مجموعة من التحديات السياسية والاقتصادية، فنسبة البطالة التي وصلت لمعدلات قياسي?، والدين العام الذي يتصاعد بوتيرة مرتفعة وعجز الموازنة الذي فاق التوقعات وتواضع نسب النمو الاقتصادي وارتفاع نسبة الفقر إلى ما يزيد عن 15% كل هذه المؤشرات سوف تفرض علينا مواصلة التعامل معها والعمل على تذليلها، أضف لذلك التحديات السياسية المتمثلة في سياسة اليمين الاسرائيلي ومحاولات تمرير صفقة القرن ناهيك عن الاوضاع السياسية والامنية في دول الجوار.
وفي خضم هذه التحديات يجب ان لا ننسى الانجازات التي تحققت بالرغم من كل الظروف الاقليمية المعقدة، فقد اتخذ الاردن موقفاً صلباً في وجه المحاولات الرامية لتمرير صفقة القرن، ليس هذا فقط وانما ايضاً استعاد منطقتي الباقورة والغمر وفرض السيادة الكاملة عليهما وسحب الاعتماد الدولي من مطار رامون أو تمناع، وعلى المستوى الاقليمي فقد استضافت المملكة محادثات السلام بين الاطراف اليمنية، وتم رفع التمثيل الدبلوماسي مع الدولة السورية والسماح للطائرات المدنية الاردنية بالمرور عبر الاجواء السورية.
كما قامت الحكومة السورية قبل بضعة أيام بإزالة الرسوم الإضافية على الشاحنات الأردنية الداخلة إلى سوريا، والبالغة 200 دولار على كلّ شاحنة، وكذلك المارّة بطريق الترانزيت لتبقى 10% فقط.وفي نفس الاطار فقد تم تعيين سفير اردني في الدوحة، كما شهد الاردن خلال العام الحالي تعزيز الجهود الرامية الى مكافحة الفساد وتحويل عدد من القضايا الى القضاء وبغض النظر عما سوف يتوصل اليه قضاؤنا العادل فان مثل هذا التوجه يشير الى عزيمة ورغبة صادقة في التصدي الحازم للفساد بغض النظر عن طبيعة المسؤولين عنه.
كما لا بد ايضاً من الاشارة الى التحسن الذي طرأ على بعض المؤشرات الاقتصادية، مثل الصادرات الكلية التي ارتفعت بنسبة 8.6% خلال اول عشرة شهور من العام الحالي، كما تراجع عجز الميزان التجاري بنسبة 14.8 %، على أساس سنوي خلال نفس الفترة، وتشير البيانات خلال الشهور العشرة الاولى من عام 2019 الى نمو الدخل السياحي بنسبة 9.4%، ونمو حوالات الاردنيين العاملين في الخارج بما نسبته 0.8% .
وواصل الاردن الحفاظ على استقرار قيمة العملة المحلية والاحتفاظ باحتياطيات مريحة من العملات الاجنبية تغطي مستوردات المملكة لاكثر من سبعة أشهر، وهذه كلها بوادر تشير الى امكانية تحقيق مزيد من الانجازات خلال العام القادم، خاصة وان الحكومة قامت اواخر هذا العام باطلاق مجموعة من المبادرات والحزم الاقتصادية الهادفة الى تنشيط الاقتصاد وتحفيز الاستثمار وتحسين الخدمات والاصلاح الاداري وتسديد بعض متأخرات القطاع الخاص، وبغض النظر عن مدى النجاح او النتائج التي سوف تترتب على هذه الاجراءات الا انها تشير الى رغبة في العمل و?لمبادرة لمواجهة المصاعب التي يعاني منها الاقتصاد الاردني، ويامل المواطنون ان تشكل هذه المبادرات بداية لنهج اقتصادي يعيد التوازن للنظام الضريبي ويعيد التوازن للمالية العامة عبر رفع نسب النمو مع تخفيف الضغوط المعيشية، وتهيئة الظروف الملائمة لنمو الاستثمارات وتحفيزها، خاصة مع قيام البنك المركزي بتخفيض اسعار الفائدة على ادوات السياسة النقدية ثلاث مرات خلال هذه السنة، وارتفاع نسبة التضخم بحوالي 0.3% خلال الاحد عشر شهرا الاولى من هذا العام.
ونظراً لما يتمتع به الاردن من احترام وعلاقات مميزة مع الدول الشقيقة والصديقة فقد كان دائما يتلقى مختلف اشكال الدعم من هذه الدول، فقد تم في شهر اذار من هذا العام عقد مؤتمر لندن بهدف مساعدة المملكة على مواجهة اعباء اللجوء، وبالرغم من ان اغلب المساعدات التي تمخض عنها المؤتمر كانت على شكل قروض ميسرة الا ان فكرة دعم الموقف الاردني تستحق التقدير، اضافة لذلك فقد حصل الاردن على مساعدات اقتصادية امريكية خلال هذا العام تقدر بحوالي 1.15 مليار دولار بما فيها منحة الدعم المباشر للخزينة بحوالي 745 مليون دولار، وقدمت دول? الامارات العربية منحة للمملكة بقيمة 300 مليون دولار خارج المنح المتوقعة.
وكذلك تم توقيع عدد من اتفاقيات الميسرة مع عدد من الدول وخاصة الاتحاد الاوروبي، وهذه المبادرات بمجموعها تشير الى امكانية تحسن مؤشرات المالية مقارنة باعادة التقدير مع انها لن تعوض سوء التقدير الذي شهدته موازنة عام 2019، كما ان المباحثات مع صندوق النقد الدولي بدأت تأخذ منحنى يؤكد أن الأولويات في السنوات المقبلة تتمثل في الحفاظ على الاستقرار الاقتصادي، ودعم النمو، وخلق الوظائف، وتعزيز الحماية الاجتماعية، وهناك مناقشات حول اعتماد برنامج اقتصادي جديد مدته ثلاث سنوات يدعمه الصندوق، ومن المتوقع ان يتم استكمالها بد?ية عام 2020.
ويلاحظ ان موازنة العام القادم 2020، المعروضة حالياً أمام مجلس الامة، اعتمدت نهجاً توسعياً، بما في ذلك زيادة رواتب الموظفين والمتقاعدين وزيادة نسبة الانفاق الرأسمالي، وزيادة كبيرة ونحو كبيرفي الايرادات، وما يثار حول أهمية السيطرة على النمو المتصاعد في العجز والمديونية، الا انه من الاهمية بمكان تقييم هذه الامور في اطار ترسيخ توجه يتخذ من النمو الاقتصادي سبيلاً لاعادة التوازن للمالية العامة، مع تكريس فكرة الاهتمام بمشاريع الشراكة بين القطاعين العام والخاص التي طال انتظارها.
وفي اطار الحديث عن الانجازات لا بد من الاشارة الى بعض الانجازات المميزة التي حققتها المملكة خلال العام الحالي، منها مثلاً تقدم المملكة بشكل غير مسبوق في تقرير ممارسة الاعمال 2020 وبفارق 29 مرتبة عن مركز العام الماضي وذلك بفضل سلسلة الاصلاحات التي تم تنفيذها حيث تقدمت المملكة للمركز 75 عالمياً من بين 190 دولة، مقارنة مع 104 في التقرير الماضي، وكان الاردن من بين الدول الثلاث الاولى الاكثر تحسناً في مناخ الاستثمار، كما تقدم الاردن ستة مراتب في مؤشر المعرفة العالمي لعام 2019 ليحتل المرتبة 70 مقارنة مع 76 في عا? 2018، وبحسب مؤشر نمو قطاع التجزئة العالمي فقد كان الاردن من بين الدول العشرة الافضل أداءً عالمياً، وفي تقرير التلوث ومقاييس الصحة-المعتمد على بيانات 2017–أحتل الاردن المرتبة السابعة عالمياً بين الدول الاقل تلوثاً.
من خلال هذا العرض الموجز يتضح بجلاء ان التصدي لتحديات عام 2020 لن يكون سهلاً، ولكنه ممكن اذا استطعنا ان نبني على الانجازات التي تحققت وان نعمق مفهوم الاصلاح الاقتصادي الذي يحفز النمو الاقتصادي عبر مختلف الادوات المالية والنقدية والبشرية، وان نحسن استغلال امكانياتنا وطاقتنا ومزايا الوطن التي لا تتوفر لبلدان اخرى، وان نعمل بجد ومثابرة لتحقيق طموحاتنا، فالعمل الواعي المخلص والمستند الى رؤية واضحة وخارطة طريق محددة الملامح كفيل ان ينهض باقتصادنا وان يحسن مستوى معيشة ورفاه المواطن، ونحن اليوم أحوج ما نكون لقرار?ت واجراءات شجاعة لتحقيق المصلحة العامة وتجاوز المعيقات التي تعترض نهضة اقتصاد الوطن وتطوره والزمن لا ينتظر.
يتميز الاقتصاد الاردني بانفتاحه على العالم مما يعني التأثر بشكل او باخر بالتطورات الاقتصادية في دول الاقليم والعالم، وقد أشار تقرير «افاق الاقتصاد العربي» الصادر في شهر أيلول الماضي الى ان نسبة النمو في البلدان العربية من المتوقع ان تصل عام 2020 الى حوالي 3%، كما توقع التقرير ان ينمو الاقتصاد الاردني بنسبة 2.4%، أي بزيادة 0.2% عن توقعات خطاب الموازنة العامة، ومن المعلوم ان الاردن عاني كثيراً بسبب الاوضاع في البلدان العربية المجاورة، وبالرغم من تجدد الاضطرابات في بعض البلدان المحيطة الا انه وكما شهد عام 201? انفراج الاوضاع في السودان والجزائر فمن غير المستبعد ان تشكل التطورات عام 2020 بداية انفراج في باقي دول المنطقة مما قد يبشر بمرحلة جديدة من الاستقرار الامني والذي سيترتب عليه مزايا وفرص اقتصادية كبيرة، وهنا ايضا لا بد ان نعرج على ما تعرضت له شركة أرامكو من اعتداء وايضاً طرح اكتتابها في البورصة، وعند بدء تداول أسهم الشركة في السوق المالية السعودية في شهر كانون اول الحالي، وصلت القيمة السوقية لأرامكو إلى 1.88 تريليون دولار أمريكي، متخطية شركة أبل كأكبر الشركات من حيث القيمة في العالم، ومن المبشر ان نسمع عن ب?ء حلحلة الازمة بين دولة قطر والدول الخليجية الاخرى، اضافة الى ما يتم تداوله حول التفاوض لحل الازمة في اليمن، وهذه مؤشرات تبعث الامل، خاصة واننا في الاردن، كما هي الكثير من الدول، حريصون على استقرار وازدهار الدول الشقيقة، والتي تتمتع باهمية دولية كمصدر لاهم منتجات الطاقة ناهيك عن كونها مصدرا للتحويلات لعدة دول.
ويشير أحد تقارير البنك الدولي الى ان «التحويلات المالية التي يرسلها العمال المغتربون إلى بلدانهم تشكل جزءا متزايد الأهمية في الاقتصاد العالمي، وقد فاقت التحويلات المعونات الرسمية بمقدار ثلاثة أمثال منذ أواسط التسعينيات من القرن الماضي، ويبدو أنها تتجه هذا العام إلى تخطِّي تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر إلى البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل».
منذ فترة ليست قصيرة بدأت الكثير من الاصوات تتعالى محذرة من ازمة اقتصادية عالمية، ومن أبرز الاسباب التي تساق لتبرير هذا التوقع تصاعد الصراعات التجارية بين الولايات المتحدة والصين، والعقوبات الامريكية على العديد من دول العالم بمن فيهم الاصدقاء وخروج المملكة المتحدة من الاتحاد الاوروبي وتراكم الدين على مستوى العالم.
ويشير تقرير «موجات الديون في العالم» للبنك الدولي الى ان «الاقتصاد العالمي شهد أربع موجات من تراكم الديون خلال السنوات الخمسين الماضية. وانتهت الموجات الثلاث الأولى بأزمات مالية في الكثير من اقتصادات الأسواق الصاعدة والبلدان النامية. وشهدت أحدث موجة منذ عام 2010 بالفعل أكبر زيادة في الديون وأسرعها وأوسعها نطاقا في هذه البلدان، فقد ارتفع إجمالي ديونها بمقدار 54 نقطة مئوية من إجمالي الناتج المحلي إلى أعلى مستوى لها في التاريخ بلغ نحو 170% من إجمالي الناتج المحلي في 2018.
وتساعد أسعار الفائدة المنخفضة حاليا على تقليص بعض المخاطر المتصلة بارتفاع مستويات المديونية. لكن اقتصادات الأسواق الصاعدة والبلدان النامية تواجه أيضا ضعف آفاق النمو، وازدياد، مواطن الضعف، واشتداد المخاطر العالمية. وثمة مجموعة متاحة من خيارات السياسات للحد من احتمال انتهاء موجة الديون الحالية بأزمة وتخفيف أثرها إذا وقعت».
وقد خفض تقرير «آفاق الاقتصاد العالمي «الذي أصدره صندوق النقد الدولي في شهر تشرين أول الماضي توقعاته لمعدل النمو العالمي إلى 3% في 2019، وهو أدنى مستوى منذ أزمة 2008-2009، وإلى 3.4% في 2020، كماخفضت المفوضية الاوروبية توقعاتها لمعدل النمو في منطقة اليورو إلى 1.1% في عام 2019، و1.2% في 2020، وذلك بسبب التوترات التجارية العالمية.
كما تشير توقعات صندوق النقد الدولي الى تراجع أسعار النفط إلى 61.8 دولارًا في 2019، و57.9 دولارا في 2020، مقابل نحو 68.33 دولارا للبرميل في 2018وكذلك خفضت منظمة التجارة العالمية توقعات نمو التجارة بسبب التوترات التجارية وقيام العديد من الشركات حول العالم بتأخير استثماراتها التي تعزز الإنتاجية بفعل التوترات، وذكرت المنظمة في تقرير لها، أن توقعاتها لنمو التجارة العالمية في 2019 ستبلغ 1.2 %، مقارنة مع توقعات صدرت في نيسان الماضي، بلغت حينها 2.6 %، أما توقعات نمو التجارة العالمية في 2020، فقد تراجعت إلى 2.7% مق?رنة مع 3 % في توقعات نيسان 2019. كما أظهر استطلاع للرأي أعدته الرابطة الوطنية لاقتصاديات الأعمال، في الولايات المتحدة أن 34% من الاقتصاديين الذين شملهم الاستطلاع، يعتقدون أن الاقتصاد المتباطئ سيميل إلى الركود في 2021.
الا ان هناك العديد من الاراء الاخرى التي تقلل من احتمالية حدوث أزمة اقتصادية عالمية وان الامر يقتصر على تباطؤ في النمو، باعتبار ان بعض البلدان النامية ستلتحق بركب النمو، وهناك من يشير الى ان التوقعات بحد ذاتها هي من يمكن ان تؤدي الى تراجع النمو حيث تؤدي لاتخاذ مواقف حذرة في انتظار ما سوف يأتي.
ولعل بعض التطورات خلال الفترة الاخيرة تدعم فكرة استبعاد حصول ازمة خاصة مع تواتر الانباء حول التوصل لاتفاق تجاري بين الولايات المتحة والصين، اضافة الى الى عدد من الاجراءات التحفيزية التي تتخذها العديد من الدول مثل تخفيض نسب الفائدة وغيرها، وتعزيز السياسات الهادفة الى تحقيق نمو اكبر وشمول اوسع، فمثلاً قامت الصين خلال هذا العام بتخفيض الضرائب والرسوم بحوالي 212 مليار دولار خلال ثمانية شهور بهدف تخفيف اعباء الشركات وتحسين بيئة الاعمال، وهناك ايضاً من يعتقد بان الساسة في البلدان المختلفة لا زال امامهم وقت لتجنب?الانجرار الى ازمة اقتصادية.
كما اثارت السياسات التجارية الامريكية وسياسة فرض العقوبات على العديد من الدول تساؤلات حول استمرار الدولار كعملة مهيمنة، ويلاحظ ان بعض الدول تحاول اللجوء الى بدائل، وكان اخرها ما تمخض عنه الاجتماع الذي عقد في في ماليزيا بمشاركة تركيا وايران وقطر والذي اعلن على اثره ان هذه الدول تبحث في تنفيذ المعاملات التجارية فيما بينها بنظام المقايضة او الذهب.
كما سبق ان اتفقت الصين وروسيا على استخدام العملات المحلية لتسوية المعاملات التجارية بينهما، كما اعتمدت الصين اليوان الذهبي لتسعير النفط، وهناك ايضاً محاولات اوروبية لتسعير النفط باليورو، الا ان بعض الاستطلاعات تظهر ان الدولار لا زال يستحوذ على 88% من معاملات العملات الاجنبية، وهناك من يبرر هيمنة الدولار بعمق اسواق راس المال الامريكية وقوة المؤسسات، ومن المرجح ان تكون هذه الهيمنة طويلة الاجل، الا ان استمرار السلطات الامريكية في استخدام الدولار كاداة للعقوبات قد يشجع الدول المختلفة على اليات دفع بديلة.
ولكن وبغض النظر عن مدى دقة التوقعات فنحن بحاجة الى بناء سيناريوهات مختلفة نستطيع من خلالها مواجهة ما قد تتمخض عنه الظروف الراهنة من تطورات، فالتحديات تقل خطورتها لدى الاعداد لها بشكل جيد والفرص تأتي دائما لمن هو مستعد وقادر على اغتنامها.
(الرأي)