النظام الضريبي ما بين المعلوم والمجهول!
د. عادل محمد القطاونة
28-12-2019 10:53 PM
قوانينُ ضريبية وأنظمة فرعية، تعليماتٌ وتعديلات، استثناءاتٌ واعفاءات، مديرياتٌ واجراءات، وما بين ضريبةِ مفروضة وضريبةِ مقطوعة، مدققِ ضريبي ناجح ومدققِ جامح، مديرِ مالي محترف وآخر منحرف، وما بين تحويلاتِ مالية خاضعة وأخرى خارجة، فوائد محسوبة وأخرى محسومة، مخصصاتِ خاضعة ومخصصات خادعة، مجمعات مالية واجدة وأخرى جامدة، عملياتِ مخفية وتعديلات ابداعية، وما بين مطبق للقانون ومطبطب على القانون، يتساءل البعض عن الدور الحقيقي للنظام الضريبي في الملف الاقتصادي؟ وهل الاصلاح الضريبي مبني على تضارب أم تكامل المصالح؟ وهل الاحتساب الضريبي مبني على اساس علمي أم شخصي؟
في دول العالم المتقدم يعتبرُ النظام الضريبي نظام واقع معيشي، يحاكي دخل الافراد والمنشآت بمنهجية علميةٍ واجراءات عملية، تسمحُ في زيادة معدل نمو الناتج المحلي الاجمالي الحقيقي، وعلى سبيلِ المثال وبعيداً عن انجلترا والمانيا، اليابان والصين، استراليا وكندا، فقد بلغ الناتجُ المحلي الاجمالي لدولة صغيرة كايرلندا حوالي 366 مليار دولار، بينما بلغت الايرادات الضريبية حوالي 55 مليار يورو بفضل نظامها الضريبي المُحكم المبني على قواعد بيانات ذكية.
إن تطبيق النظام الضريبي الصديق للاستثمارات والشركات متعددة الجنسيات، هو الذي سمح لبعض الدول بأن تجعل من مواطنيها أيادي عاملة ومن أوطانها بيوتاً عامرة؛ النظام الذي جعل من دبلن عاصمة ايرلندا مركزاً استراتيجياً لشركات المعلومات والاتصالات مثل شركة (ِApple) وغيرها من الشركات العملاقة، هذا النظام الضريبي الذي استطاع نقل وادي السليكون في كاليفورنيا، والذي يضم مقرات كبرى صانعي التكنولوجيا والانترنت في العالم إلى منطقة حوضِ السليكون في دبلن، والذي اطلق عليه لاحقاً (وادي السليكون الأوروبي) لتصبح ايرلندا واحدة من الدول العملاقة في جذب الاستثمارات بفعل حسن ادارة السياسات الاقتصادية والضريبية.
إن ادارة الملف الضريبي بحاجة الى احتراف في التشريع وليس التلميع، بحاجةٍ الى اعتراف بالواقع الاقتصادي المحلي وتحليل الطابع العالمي، حتى تصبح القوانين الضريبية جاذبةً للاستثمار وليس قاتلة للاستقرار، فتعددُ الضرائب وتزايد التلاعب سيؤدي الى تراكم في المصائب، إن الإيجابية تقتضي الواقعية وليس النرجسية، والشمولية تستوجب الحيادية وليس الإتكالية، فالأنظمةُ الضريبية تستوجب أن تكون اوراقها مفهومة ومعلومة وليس مبتورة ومجهولة.
إن الوعي الضريبي بحاجةٍ الى فكر ضريبي قائم على علمٍ مالي واقتصادي منطقي، حتى يكون للمواطن دور في مكافحة التهرب الضريبي، أما الازدواجُ الضريبي والارهاق الضريبي والعبء الضريبي فهي مفاهيم بحاجة الى دراسات تحليلة واحصاءاتٍ دقيقة، تدرس خط الفقر ومعدل البطالة حتى يصبح للاعفاءات الضريبية دلالاتها وللمعدلات الضريبية أساساتها، بعيداً عن بعض قرارات التدقيق الضريبي كالموافق بنصف ألف وغير الموافق بألف، بعيداً عن التدقيق الشكلي المبني على الملف الشخصي، وصولاً لنظام ضريبي قوي ذكي، عادل وشامل لوطن كامل وعامل.