ملامح حكومية: الإصلاح بمنظور محافظ
د. محمد أبو رمان
15-12-2009 08:38 AM
عمون - ثمة عدة وجوه يمكن أن يقرأ من خلالها التشكيل الوزاري، الذي جاء مفاجئاً في "تركيبته المختلطة"، للعديد من التوقعات المسبقة، وتحديداً في تكوين المطبخين السياسي والاقتصادي.
سياسياً، لم يخرج وزيرا الداخلية والتنمية السياسية من التشكيلة، وسيشكل الوزيران عموداً فقرياً في الاستحقاق السياسي الأكبر المتمثل بالانتخابات اللامركزية والنيابية، بالإضافة إلى وزير البلديات علي الغزاوي.
الملمح السياسي الأبرز هو "إصلاحي- محافظ"، فهنالك شخصية إصلاحية متميزة (موسى المعايطة) مع شخصية ذات نزوع محافظ (نايف القاضي)، وهو تشكيل يعكس المزاج الرسمي العام بالإبقاء على جوهر قانون الانتخاب الحالي (الصوت الواحد)، مع محاولة إدخال تحسين محدود في تركيبة المجلس (غالباً من خلال القائمة النسبية).
الملاحظة الرئيسة أنّ الخط السياسي في الحكومة هو خط مستقيم (غير متذبذب)، واضح في وجهته، وله مواقفه التاريخية، وليس من المتوقع أن يعرّض سمعته ومواقفه إلى اللغط، لذلك سيكون حريصاً (إن استمر للانتخابات اللامركزية والنيابية) على التأكيد على سلامة الإجراءات ونزاهتها، والبعد عن شبهات التلاعب والتزوير، وهذا معطى مهم، بل ومهم جداً.
يعزز هذه القراءة تسريبات مؤكدة، من أوساط رسمية، على وجود إرادة سياسية عليا بانتخابات تجبّ سمعة الانتخابات السابقة، وتقدم مخرجات أفضل، حتى لو عادت نسبة التمثيل الإخواني في مجلس النواب إلى النسبة التقليدية أو أعلى قليلاً، أي إلى اللعبة القديمة مع الدولة، إذا لم يغير الإخوان تصورهم للمبدأ الذي يعلنونه دائماً "المشاركة لا المغالبة".
المفارقة الكبرى والحقيقية تتمثل في تركيبة الفريق الاقتصادي، وفيه ملمح واضح وصريح بالخروج من رؤية الخط "الليبرالي الجديد"، التي أضرت كثيراً بالطبقة الوسطى وكفاءة القطاع العام وخلقت أزمات اجتماعية واسعة إلى خط ليبرالي معتدل- اجتماعي، يؤمن بالسوق والاقتصاد الحر المنفتح والخصخصة، لكن بالتوازي والتوازن مع الاعتبارات الاجتماعية والسياسية.
في قيادة الفريق الاقتصادي شخصية معتبرة، د. رجائي المعشّر، يسانده وزير مالية معروف بالنزاهة والكفاءة، د. محمد أبو حمور، وقد تقلّد مواقع اقتصادية متعددة، وكذلك جعفر حسان وزير التخطيط، وهو من جيل الشباب الواعد المنفتح، اكتسب خبرة كبيرة في وزارة الخارجية والديوان في مجال الاتصال الدولي، وفي خلفية المشهد د. معن النسور، الذي يمتلك خبرة اقتصادية وإدارية، وله رؤيته في الإصلاح الاقتصادي.
مع ذلك، فإنّ الفريق الاقتصادي يواجه مرحلة صعبة وخطرة تتمثل بعجز كبير في الموازنة، ووصول الدين العام إلى نقطة حرجة، وجفاف المساعدات الخارجية العربية، والقلق من أسعار النفط، ما يجعل من مهمته في غاية الصعوبة وضعف المناورة، وتركة من الأخطاء والتجاوزات والاختلالات، خلال السنوات الماضية.
عندئذٍ، سيكون التفاؤل حذراً بالفريق الاقتصادي، والتعويل سيكمن في أن يلتحم هذا الفريق بمطبخ واحد، ويقدم لنا تصوراً نقدياً للوضع الحالي والمسارات المقبلة، ورؤية مقابلة للرؤية التي تحكم المسار الذي رسمته الوصفات الليبرالية المتطرفة.
المطبخ الثالث هو الإعلامي، وما يزال بحاجة إلى رؤية واضحة وفريق من الإعلاميين المتخصصين، الذين يؤمنون بالحرية والمعلوماتية وبضرورة النهوض بالإعلام المحلي والرسمي.
ثمة معلومات مؤكدة أن الحكومة ستجد نفسها أمام مسوّدات تشريعات لتقنين الإعلام الالكتروني، ما قد يورطها في معركة سياسية مبكّرة. وأحسب أنّ الأفضل للحكومة البدء بإصلاح الإعلام الرسمي وتقويته، ومن ثم الوصول إلى تفاهم حول تطوير التشريعات المرتبطة بالإعلام والقفزات التي حدثت فيه.
لا تعكس تركيبة الحكومة ردة أو نكوصاً إلى وراء، ولا تغليبا لتوجه على آخر، بقدر ما تمثل خروجاً من مرحلة استقطاب غير نافع، وتخلق تموضعات جديدة في المشهد السياسي، تسمح بإعادة تشكيل المواقف بعيداً عن السجالات السلبية الهدّامة.
الحكومة كسبت معركة التشكيل بدرجة كبيرة، والرئيس نجح باستقطاب طاقم قوي وخبير، وهو ما يسجل له. لكن المطلوب الآن "بناء كيمياء الفريق الوزاري" وتوفير مناخات من العمل المتكامل والمتلاحم، لا المتضارب، وهي مهمة ليست بالسهلة مع هذا العدد من الخبرات والرؤى المتنوعة.
m.aburumman@alghad.jo
محمد أبو رمان