الإعلام الوطني هو "جيش" الدول للمناورة السياسية
شحاده أبو بقر
28-12-2019 10:20 AM
منذ بداية نشوء الدول والكيانات السياسية على هذا الكوكب ، دأبت الدول النابهة الذكية الواضحة مواقفها المبدئية لشعوبها ، على الإستعانة المؤسسية بأعلامها الوطني الخاص ، في نشر المعلومات الموجهة والأخبار المتنوعة والسياسية منها بالذات ، كتعبير غير معلن عن المناورة السياسية لتلك الدول والكيانات .
وهي بذلك ، أي الدول ، تؤسس مراكز متخصصة لرصد ردود الفعل الإقليمية والعالمية وحتى المحلية ، للتعرف على مواقف وتوجهات الدول الأخرى بما في ذلك الشارع الوطني إزاء تلك المعلومات والأخبار التي تمررها إلى وسائل إعلامها الخاصة الموثوقة تلك ، وهي ربما تمرر معلومات وأخبار مماثلة إلى وسائل إعلام خارجية متعاونة ، ولكن بطرق غير رسمية ، للغاية ذاتها .
وللدلالة وللتوضيح ، فعندما تفكر حكومة دولة ما بأتخاذ قرار يصعب التكهن بنتائجه وردود الفعل الخارجية وحتى الداخلية حياله ، تبادر إبتداء إلى تمرير أو تسريب معلومة كاملة أو منقوصة أو مشوشة حيال ذلك القرار ، لترى ردود الفعل الراجعة إزاءه ، وعلى ضوء ذلك ، إما أن تتخذ قرارها ، أو أن تؤجله أو حتى تلغي التفكير به ، وفقا لرد الفعل الراجع .
هذا نهج نعرفه نحن الصحفيين والإعلاميين حق المعرفة ، ونرى فيه ذكاء خارقا تمارسه مختلف دول العالم كبيرها وصغيرها على حد سواء ، وتقارب من خلاله ما يمكن وصفه بالحرب النفسية ضد خصومها وأعدائها ، أو إختبار رد الفعل لدى أصدقائها وحلفائها ، أو قياس مدى قبول مجتمعها المحلي لما تفكر بإتخاذه من قرار أو توجه ما .
لقد عملت أربعين عاما في الإعلام والصحافة الأردنية حتى تاريخه ، ولم ألمس يوما شيئا من هذا القبيل ، ولا أعرف إن كان هذا يجري إتباعه مع غيري مثلا من زملاء يوثق بهم أكثر مني وبمن هم على شاكلتي ، لكنني ألاحظ في الأعم الأغلب أن معظم القرارات الكبرى تتخذ فجأة في معظم الأحيان ، ولكن مع حالات بسيطة يجري أحيانا تسريب معلومات مسبقة عن قرارات ما ستتخذ ، ولا أدري هل هذا مرتب سلفا ربما ، أم هو مجرد صدفة .
بالمناسبة ، لم أعش خلا الأربعين سنة الماضية ظروفا أردنية تستوجب توظيف المناورة السياسية في أذكى وأقوى صورها ، كما هو الحال اليوم ، فالأردنيون تتكاثر لديهم المصادر الإخبارية والمعلوماتية والإشاعاتية الخارجية وعن قضايا تمس مصيرهم ووطنهم ومستقبل حياتهم وعلاقات دولتهم بدول أخرى ، وعلى نحو يجعلهم نهبا للإشاعات والمعلومات التي تشتت أذهانهم وتزرع في نفوسهم المخاوف والشكوك ، ولا يجدون تفسيرا محليا رسميا لها .
ختاما ، الإعلام والمعلومة والخبر والإشاعة باتت في عالم اليوم ، أخطر سلاح تواجهه الشعوب المسكونة بالمشكلات والهموم ، كما هي شعوبنا العربية بعامة ، ونحن الأردنيين بخاصة ، وليس أدل على ذلك مثلا ، من أن مغردا صهيونيا يستقي معلوماته " نتفا " من جهاز إستخباري ، يساجل اليوم ملايين العرب والأردنيين وغيرهم ، وبما يخدم ما يسعى إليه ذلك الجهاز الإستخباري الصهيوني . فما الذي يحول دون أن يكون لدينا مغرد أو أكثر يساجل المجتمع الإسرائيلي بلغته العبرية ! ، ومعردون آخرون يساجلون شعوبا إسلامية بلغاتها بشأن القدس والأقصى والمقدسات وحقوقنا وإياهم فيها ! . الله من وراء قصدي .