بلغته العربية الفصحى البسيطة المتداولة، يأسرك المطران عطا الله حنا، باستقباله ودفء كلماته نحو فلسطينيته الصارخة أولاً، ونحو الأردن والأردنيين ثانياً، ونحو قوميته العربية ثالثاً، تكامل وعمق ووعي يخطف منك الاحترام نحوه، والتضامن معه كذات متفانية مؤمنة، معبراً عن قضية شعب يتوزع بين المعاناة والعذاب والوجع، وما بين النضال والتصميم على مواصلة الطريق حتى زوال الاحتلال، وانهاء الظلم والعنصرية، مجسدة بالمشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي، وحكوماته المتعاقبة وأجهزته وجيشه.
قد ينتاب البعض أن المطران يتهم الأجهزة الإسرائيلية من باب كرهه للاحتلال ورفضه له، وهو محق وواقعي في إدراكه لما تعرض له، فهو صوت صارخ قوي كرجل دين أولاً وكمسيحي ثانياً وكمواطن فلسطيني من قرية الرامة شمال الناصرة يحمل الهوية الإسرائيلية كونه من ابناء مناطق الاحتلال الأولى عام 1948 ثالثا ، ولهذا يُعبر عن إدانة متعددة الألوان والأشكال والمواقف والسياسات لمشروع الاحتلال، الذي يعمل على خطف المسيحية ودمجها بالصهيونية كما تفعل بعض الاتجاهات المسيحية في الولايات المتحدة، ولهذا يجب أن لا يكون مستغرباً حينما نسمع بعض الخليجيين العرب الذين يدعون أن الإسرائيليين أولاد عمنا وأن الفلسطينيين لا يستحقون التأييد لأنهم ناكرين للجميل، وهو موقف سطحي من هذا البعض، لا يعبر عن مواقف ومبادئ وسياسات وتراث الخليجيين القومية الذين لا يستطيعون إلا أن يكونوا في خندق العداء للصهيونية العنصرية ولمشروع الاحتلال الاستعماري الذي يحتل أراضي ثلاثة بلدان عربية،
ويتطاول على أقدس مقدسات المسلمين والمسيحيين في القدس وسائر فلسطين.
كيف لا يعرف الجهلة أن المسجد الأقصى هو أولى القبلتين، وثاني المسجدين، وثالث الحرمين، ومسرى ومعراج سيدنا محمد، وقيامة السيد المسيح، يتعرض للتهويد والاسرلة، وها هو المطران عطا الله حنا ابن الجليل الفلسطيني من أتباع السيد المسيح يُقدم النموذج على عدوانية الاحتلال وفاشيته وجرائمه بمحاولة المس به لأنه يقف ضد التهويد والاسرلة وهو واحد من سلسلة كبيرة من شخصيات غير عسكرية تم اغتيالها بدأت مع الكاتب غسان كنفاني 1972، والسفير وائل زعيتر 1972، والشاعر كمال ناصر 1973، والبروفسور باسل الكبيسي 1973، وعالم الجغرافيا جمال حمدان 1993، والرسام ناجي العلي، والناشطة الأميركية ريتشيل كوري 2003، والمصور جيمس ميلر 2003، والمصور توم هيرندال 2004، والعشرات غيرهم، وهؤلاء وغيرهم نماذج متنوعة تدلل على أن جرائم المستعمرة لا يردعها محرمات، أنهم من المدنيين والحاضرين في الحياة كمبدعين غير مقاتلين بالمعنى العسكري ولكنهم مسكونين بالولاء والانحياز والتفاني لقضيتهم الوطنية فلسطين سياسة وبشراً ووعياً وإبداعاً، ولذلك دفعوا ثمن انحيازهم الفلسطيني ، ودفعوا ثمن جريمة المستعمرة ضدهم.
محاولة اغتيال المطران عطا الله حنا لم تكتمل خطواتها، ولكنها جريمة مكتملة الأركان، لأن ما يفعله المطران وما يؤديه وما يقوله صرخة ضمير مسيحية في وجه الاحتلال وهذا سبب عداء الاحتلال له ولمكانته كفلسطيني وعربي ورجل دين مسيحي يحمل من الوفاء والاستعداد للتضحية من أجل قضية شعبه.
المطران عطا الله حنا حتى لو تعرض لأذى غير متعمد فهو يستحق الاهتمام لأنه ايقونة انسانية، ورمزا وطنيا قوميا، ومناضل شجاع ضد الظلم والاستعمار، ويجسد في شخصيته وفكره وسلوكه الاخوة والشراكة الإسلامية المسيحية ولهذا نحبه ونحترمه وعلينا ان نرعاه ونقف معه والى جانبه كأردنيين.
الدستور