البعض يعتقد أنه لا حل لمشكلتنا المستعصية مع موضوع العمالة الوافدة إلا من خلال تسفيرها. التسفير لا يعني تقليل أعدادها بل السماح لعمالة وافدة جديدة بالقدوم بدلا منها، لكن الفرق أن العمالة الجديدة عندما تدخل إلى المطار أو الموانئ البرية والبحرية نكون قد ضمنا أنها تحمل تصريحا دفعت أجره.
رأينا توجهات لدى الحكومة بهذا الصدد، وقرأنا عن تسفير عمالة وافدة مخالفة وإن بأعداد قليلة، وهذا جيد ولكنه خطوة بسيطة تحتاج لتدعيم. لا يعقل أن يستمر مئات الآلاف من الوافدين بيننا من دون تصاريح.
هذا استنزاف واضح وبمئات الملايين من خزينة الدولة. نعم نتحدث عن مئات الملايين لأن حسبة بسيطة تقول إن تسوية أوضاع مائة ألف عامل وافد تعني ما يقرب من أربعين مليون دينار للخزينة، فما بالنا بمئات الآلاف من العمالة غير المرخصة. الوافدون يبقون بيننا يعملون لسنوات ثم يعودون لبلادهم من دون أن يكونوا قد دفعوا أثمان تصاريح العمل، ولا حل أمام السلطات إلا السماح بمغادرتهم أو سجنهم لحين سداد المبالغ المترتبة عليهم، وهذا ضرب من المستحيل وغير منطقي.
لن ينجح شأن التصويب أو التسفير إذا ما استمر إخفاق لجان التفتيش -المكونة من جهات رسمية عدة وليس فقط وزارة العمل- بالقبض على العمالة غير المرخصة وإجبارها على الترخيص أو تسفيرها، وبصراحة هذا شأن يشوبه، ومع كل أسف، الكثير من الفساد يتداول قصصها الأردنيون والوافدون على حد سواء.
ربما علينا التفكير بطرق أخرى غير المعتمدة حاليا للتفتيش على العمالة وتصويب أوضاعها. تغليظ العقوبات والتصريح الموحد ونظام الرسوم كلها أفكار محمودة أسهمت بالحل ولكن بشكل لم يعالج المشكلة جذريا بعد.
علينا التفكير أيضا وبشكل جدي بالتكلفة الاقتصادية المترتبة على تقنين أعداد العمال الوافدين ضمن السقوف المحددة لها، فهي بالنهاية أحد مدخلات الإنتاج تزيد تكلفته. ماذا لو فتحنا باب استقدام العمالة الوافدة على مصراعيه فتقل أجور العمال التي ارتفعت كثيرا وبالتالي تنخفض كلفة الإنتاج الزراعي والخدمي والصناعي، ناهيك عن إنفاق العمالة الوافدة المحلي الذي سيفيد الاقتصاد. بما أننا لم نتمكن لسنين طويلة من قوننة العمالة الوافدة، ما أضاع أموالا طائلة على الخزينة، فأقلها ندعم الاقتصاد من خلال تقليل كلفة العمالة على القطاعات التي تستخدمها. القول إن زيادة العمالة ستضيع فرص عمل على الأردنيين خبر صحيح بالمطلق، وقد ثبت ذلك بالتجربة العملية، بدليل أن البطالة بالأردن تتجاوز 19 % في الوقت ذاته الذي لدينا فيه ما يقرب من مليون ونصف مليون عامل وافد، بمعنى أن العاطلين عن العمل من الأردنيين سيجدون العمل إن أرادوا القيام بالأعمال ذاتها التي يقوم بها الوافدون، لكن واضح أنهم يفضلون البطالة أو القيام بأعمال أخرى على القيام بأعمال يقوم بها الوافدون.(الغد)