ما بعد الحكومة .. ماذا جرى .. وما هو قادم؟!
نشأت الحلبي
14-12-2009 09:50 PM
جرى التغيير كالعادة، وذهبت حكومة، وُدّعت بالدعوات بعدم العودة، وأتت حكومة جديدة، إستقبلت منذ دقائقها الأولى من العمر، بالتحذيرات من الخوض فيما يراه كل طرف بأنه من المحرمات، فـ "المحافظون" لا يريدونها ليبرالية، أما الليبراليون، فلا يريدونها محافظة، فالفريق الأول يرى في الليبرالية والإنفتاح إنقلاب على القيم، او الأخلاق، بل واكثر من ذلك، أنهم يرون في الفريق الآخر تجارا لا يترددون في بيع البلد تحت ذريعة السياسات الإقتصادية والسوق الحرة وغيرها من المصطلحات، وكثيرا ما إستخدم أعضاء هذا الفريق وصف "الكمبرادور" على أعضاء الفريق الثاني، يمعنى أن هؤلاء ليسوا الا وكلاء لتجار في الخارج يريدون شراء أي شيئ حتى لو كانت أوطانا بحالها.
أما الفريق الثاني، وهم المحافظون، فيرون في الآخرين فريقا للشد العكسي، بمعنى أن هؤلاء يريدون البقاء في عصر العصا والغنم وبيوت الشعر، ويحاربون التقدم والحضارة والإنفتاح الإقتصادي والإجتماعي والثقافي، ويصرون على تحليل القتل تحت ذريعة "جرائم الشرف"، ويريدون تكبيل المرأة لا تمكينها، وكبت الحريات لا إطلاقها، وتكميم الأفواه، لا "فتحها"!
قد تكون تلك بعضا من عناوين "النزاع" بين فريقين أردنيين كانا نتيجة المخاض العسير الذي تمر، فيه ليس الأردن فحسب، بل معظم دول العالم بعد أن إنفتحت الدنيا على بعضها البعض، وبات تأثير الآخر بالأخر على مدى حجر، وتشكّل نواة لصراع محتدم بين أفكار كانت الى وقت قريب متعادية، واصبحت الآن متواجهة ولا بد من التفاهم بينها والإلتقاء على نقاط مشتركة لضمان الإستمرارية ولو بأقل تقدير من التوافق، ولعل صاحب القرار في الأردن، والذي يدرك هذه الحالة من الشد والشد العكسي بين تيارات المجتمع المختلفة، فتح الباب للحوار من خلال فرض اللقاء بين الأجيال حتى في "الحكم"، وخذ مثلا على ذلك أن فرق العمر مثلا بين رئيس الوزراء "السابق" نادر الذهبي، وبين الحالي سمير الرفاعي، يبلغ "20" عاما، وأضف الى هذا، ان الأول قادم من مؤسسة عسكرية صارمة ويمتاز بحزم وشدة، فيما الآخر، قادم من طبقة مدنية خلفيتها الإقتصاد والتجارة، إضافة الى السياسة التي تعد القاسم المشترك بين الجميع، وفيما ثبت الهدف بخدمة البلاد، فإن المتغير هو الأداء النابع من خلفيات كل شخص بإختلافاتها.
اللافت، وهو ما ظهر بشكل جلي على المواقع الألكترونية خصوصا، أن كثيرين أخذوا على تعيين الرفاعي ما عرف بالتوريث السياسي، فجده، او على راي بعض التعبيرات، سمير "الأول"، كان رئيسا للوزراء، ووالده زيد الرفاعي، تولى الرئاسة لأكثر من مرة، وها هو سمير "الإبن"، يتولى الرئاسة، وهنا لا أعلم لماذا كانت غرابة الناس، ففي الأردن جرت العادة فيما مضى بأن يتولى نفس الشخص الرئاسة لأكثر من مرة، وهذا ما جرى مع زيد الرفاعي نفسه ومع مضر بدران والمرحوم الأمير زيد بن شاكر، وعبدالسلام المجالي، وغيرهم، ولا غرابة أن يأتي يوما ما يأتي زيد "الإبن" ليكون رئيسا للوزراء، وكذا سامر عبدالسلام المجالي، أو عماد مضر بدران أو غيرهم من الأبناء، وهذا عرفٌ لن يتغير إلا إذا ما اصبح في الأردن حياة برلمانية حقيقية تحظى فيها الأحزاب بشعبية تؤهلها لأن تفوز بأغلبية في البرلمان، وبالتالي تفرض نفسها لتشكل الحكومات، واما متى يحدث هذا، ومدى إرتباطه بإشكاليات المنطقة السياسية لا سيما القضية الفلسطينية على وجه الخصوص، فهذا في علم الله وحده.!
اللافت الآخر، أن الرفاعي "الأب"، وإن كان قد إستقال من رئاسة مجلس الأعيان وأعلن إعتزاله العمل السياسي، لكنه وعلى ما يبدو وضع لمسته السياسية الأخيرة على حكومة "إبنه" قبل أن يغادر، فمن الممكن أن هذا السياسي المخضرم القى بنظرة أخيرة على المشهد السياسي برمته في حين يقوم إبنه بتشكيل الحكومة، فقارب بين الجيلين والخبرتين بنصيحة أخيرة لولده كانت بمثابة "جمل"، فتغطت الحكومة بـ "بجبل" شخصية رجائي المعشر بكل ما تحمل من ميزات عمرية وخبراتية وعشائرية، وكذلك إقتصادية إصلاحية تلقى قبولا من كافة القوى الأردنية، فكانت تلك "ضربة معلم" لا يقاربها غير الرفاعي "الأب".!
الحقيقة تقول أن الرفاعي رئيسا، والرجل الأربعيني، هو إبن للقصر، كما هو إبن لعائلة سياسية مخضرمة، وإن كان عنوان برنامجه إقتصادي في الاساس لتحسين حياة المواطن الأردني كما هو واضح من كتاب التكليف السامي، فإن هذا لا يمنع بأن الحوار الوطني الذي شهدته الأيام الثلاث أو الأربعة لتشكيله الوزارة، قد أكد بأن حكومة الرفاعي تحت أكثر من مجهر، ويتلاطمها أكثر من موج، وهي تحت إختبار لا يمكن أن يقال عنه بأقل من صعب لشخص الرئيس تحديدا.
Nashat2000@hotmail.com