هل يحتاج الاسلام الى اصلاح..؟ الاجابات التي وصلتنا على امتداد السنوات الماضية على الاقل جاءت في سياق واحد، وهو : نعم، لم تقتصرهذه «النعم « الكبيرة والمفخخة احيانا على الطرف الغربي الذي يرصد بدقة كل التحولات التي جرت على ضفتنا، وفي مقدمتها التحولات الدينية، وانما شهدنا ايضا في بلداننا العربية دعوات جريئة اخرى ذهبت الى حد المطالبة باقصاء «الدين» عن الحياة العامة، تماما كما فعلت اوروبا.
حين ندقق في معظم هذه الدعوات نكتشف انها جاءت في سياقات « ملغومة «، فهي اولا تنم عن جهل عميق بالاسلام الحقيقي او انها تعرفه وتتعمد الاساءة اليه، وهي صدرت ثانيا من دوائر غربية او مستعربة لا تحمل اي نوايا «طيبة « تجاه الاسلام، كما انها ثالثا تتنكر للاختلاف الطبيعي بين تجربة الغرب مع الكنيسة وبين تجربة العرب والمسلمين مع الاسلام، وتحاول ان تضع الديانتين في طابق واحد، وهي رابعا تعكس حالة الفوبيا التي يعاني منها الغرب جراء هجرة المسلمين المتزايدة والتخويف من الاسلام التي يجري الترويج لها هناك من قبل اليمين المتطرف استنادا الى الاحصائيات السكانية التي تشير الى تكاثر المسلمين مقابل هرم المجتمعات الاوروبية.
حين ندقق بشكل اعمق نكتشف ان دعوات اصلاح الاسلام جاءت في سياقات مبرمجة سلفا، فقد تم تصميم خطة لاقصاء الاسلام السياسي او اضعافه،، كما تم الاستثمار في «داعش» وغيرها من التنظيمات الاسلامية المسلحة التي قدمت افضل اداء ممكن لتخويف العالم من الاسلام وتحريضهم عليه، زد على ذلك ان الفوضى التي يشهدها المجال الديني من خلال استيلاد ودعم حركات جديدة ورموز مجهولي الهوية كرد على التطرف، كانت عملية مقصودة من اجل «تمييع» الاسلام وخلق حالة من الارتباك والشك بين المنتسبين اليه وصولا الى اشعال النار والصراعات بينهم.
الحقيقة التي يقفز عنها اصحاب دعوات «اصلاح الاسلام « هي ان «الايدولوجيا» الاسلامية (ان صحت التسمية ) ليست مسؤولة عن العنف الذي تشهره التنظيمات التي تتبنى فكرة «الاسلام المسلح» وانما المسؤول هو الظروف الموضوعية الداخلية والخارجية التي افرزت هذا الفكر الشاذ وسمحت له بالتمدد، وهي ظروف سياسية واقتصادية واجتماعية تراكمت لعقود طويلة تتحمل « وزرها» الانظمة العربية والغرب الذي تواطأ معها، وقد تسببت في انفجار «التاريخ « على هذا الشكل المفزع الذي اسقط افكارا وانظمة ودولا كما كشف القناع عن الغرب، ودفع الى نشوء بيئة حاضنة لهذه التنظيمات.
صحيح ان صورة الاسلام كانت حاضرة في المشهد لكن الصحيح ان هذه الصورة جرى العبث بها «انتاجا واخراجا» وبدت وكأنها تبرز مخلوقا اخر مشوها لا علاقة له بالاسلام الذي نعرفه ونفهمه، وقد استخدمت كغطاء ومبرر، ولو افترضنا جدلا ان «اصلاح الاسلام « هو الحل، واننا قمنا بالمهمة، فان من المؤكد ان الحالة لن تتغير لان بوسع هذه التنظيمات ان تتمسك « بدينها « الذي صنعته، او تجد لها ( كما فعلت تاريخيا تنظيمات مسلحة اخرى باسم القومية او المظلومية ) غطاء آخر لتبرير افعالها ما دام انها تستمد شرعيتها من الدم والقتل الذي تباركه اطراف اقليمية ودولية فاعلة تدّعي انها تحاربها.
الدستور