مارجو حداد حالة فنية رفيعة المستوى لن تتكرر
موسى العجارمة
26-12-2019 04:11 PM
ذهبتُ إلى السينما قبل أيام ؛ لحضور فيلم سينمائي غريب وفريد من نوعه ، كنت انتظره بفارغ الصبر منذ أكثر من عام، نظراً لخصوصيته الكبيرة التي تتمثل بوجود فنانة استثنائية شهادتي بها مجروحة، تلعب دوراً قيادياً بارزاً بالفيلم الذي يحمل فكرة ومحتوى هام يطرح لأول مرة في الوطن العربي.
قبل الحديث عن الفيلم لابد من التنويه إن الجزء الأكبر من الفنانات العربيات اللواتي يحلمن بخوض التجربة في هوليود العرب (مصر) التي خرجت أبرز نجوم الوطن العربي، دائماً ظهورهن الأول قد يكون بشكل غير مشابه لتاريخهن الفني كون باعتقادهن إن هذه هي الوسيلة لإثبات الوجود والحضور بشكل موازٍ لبعض النجمات المصريات من ناحية الملابس والمكياج .
ما وجدته بفيلم بيت سِت كان مميز ليس لأنه فيلم يحمل فكرة تطرح لأول مرة في السينما العربية ؛ بل لأن بطلة العمل النجمة الأردنية د.مارجو حداد أبهرتني بأدائها وإصرارها وتفانيها بعملها وحرصها على موهبتها التي تحمل قيمة وقامة من الطراز المخملي وصورتها الراقية التي فرضتها رغماً عن القاصي والداني، هذه الفنانة تظهر لأول مرة في السينما المصرية بشكل محتشم ومحترم كما اعتاد عليها المشاهد الأردني والعربي ، وكأن هذه الإنسانة تؤكد مقولة :"الإتيان بالجديد والغريب والمدهش هو ما يجعل الإبداع والجنون متقارب".
كسرت الفنانة مارجو حداد بشخصية سلمى في بيت سِت العرف المعتاد لأفلام الرعب كون لديها إيماناً مطلقاً بأدواتها الفنية التي وظفتها لصالح الشخصية ولم تلجأ بتاتاً للمبالغة بصوتها وانفعالاتها ، برغم من أن سلمى لديها المبررات الكاملة للجوء لهذه الافعال إلا أنها كانت قارئة للشخصية من عدة جوانب وكانت قادرة على تقديم كافة التفسيرات الفسيولوجية لسلمى وفضلت الخيار الأصعب لإظهار معاناتها من خلال حواسها الجسدية وتحديداً عيناها التي تحدثت بالكثير ولخصت واقع حال سلمى التي تمر بدوامة كبيرة بعد وفاة طفلتها الوحيدة.
هدوء مارجو استفزني وذكرني بنجمات السينما العالمية، كانت فرحتي كبيرة للغاية كون هذه الفنانة التي حملت على عاتقها مسؤولية النهضة والارتقاء بالفن الأردني تمكنت من تقديم الصورة الحضارية المشرقة للفنانة الأردنية بالخارج، وبعيداً عن المبالغة أثناء مشاهدتي للفيلم انتابني شعور بالدهشة كحال الفرنسيين عندما قام لويس لوميير باختراع "السينما التوغرافية" لأول مرة عام 1895؛ لأني كنت أشاهد أسلوب وتكنيك مختلف من بطلة العمل التي ارهِقت عبر سنوات عدة بالعباءة البدوية و قدمت نموذج استثنائي لن يتكرر للشخصية النسائية البدوية في مسلسل (شوق) عام 2017 .
المواصفات والأفعال التي بدرت من مارجو لم تأتِ من فراغ؛ كون مواصفات النجمة الزائفة المقتصرة بالفستان الجميل ،وعدد المتابعين على السوشال ميديا ،وكم المسلسلات والسجادة الحمراء والمقابلات الإعلامية المفرطة، بعيدة كل البعد عنها.
مارجو حداد نجمة حقيقية وظفت الثقافة والعلم والوعي والأخلاق والمنطق ووضعت علاقة طردية إنسانية بين احترامها لذاتها واحترام الجمهور ولم ترضخ لسياسة النجومية الزائفة ؛ بل كانت بالمرصاد لهويتها الثقافية التي لم تكن ملكها لوحدها كونها قررت مؤخراً أن تذهب لقطاع التعليم الأكاديمي كأستاذ مساعد في كلية الفنون بجامعة عمان الأهلية بجانب عملها بمهنة التمثيل، وحتى في لقاءاتها الإعلامية لم نجد عندها أنانية الفنان لأن إطلالاتها الإعلامية تكون دائماً عبارة عن محاضرة تثقيفية تحمل مضامين وتوصيات واقتراحات وتفسيرات ثقافية عميقة ومجردة من الحوارات العقيمة .
وما لفت انتباهي أثناء عرض فيلم بيت سِت وجود عدداً كبيراً من طلبة الدكتورة مارجو كانوا متواجدين والشغف يشع من أعينهم حول معلمتهم الإنسانة التي تعاملهم معاملة الأخت الكبيرة ويطلبون من مدير الصالة أن يقرب مقاعدهم بجانبها ويتحاورون معها وكأنها جزء لا يتجزأ من مسيرتهم التعليمية.
وبكل صدق وأمانة أعجبني الفيلم كاملاً؛ نظراً للأداء الراقي والتكنيك المميز الذي استخدمه المخرج بإدارته للكاميرا والممثلين، وقدرة الكاتب شادي المسلمي على توظيف رؤيته وتحويل قصة بيت سِت للكاتب أيمن العايدي لفيلم سينمائي تطرح فكرته لأول مرة بالوطن العربي.