بمناسبة رفع الحصانة عن بعض السادة الوزراء وعدم رفعها عن بعض السادة النواب أرى الإضاءة في هذا المنشور على الجوامع المشتركة لتلك الحصانات , وتتمثل هذه الجوامع المشتركة بما يلي:
اولا : تعني الحصانات بجميع أنواعها , أنها عبارة عن موانع أو عقبات يضعها المشرع الدستوري في طريق النيابة العامة لكي لا يحاكم من تقدم ذكرهم من أعيان ونواب ووزراء , الا بعد رفع الحصانة عنهم من الجهات المختصة التي سيرد ذكرها تاليا , مع ملاحظة أن المشرع الدستوري لدينا لم يستخدم مصطلح الحصانة في هذا المقام , فإذا أراد رفع الحصانة عن الوزراء يستخدم عوضا عن ذلك , بان لمجلس النواب إحالة الوزراء إلى النيابة العامة بمقتضى المادة (56) من الدستور .
وأما إذا ما أراد استخدام رفع الحصانة عن احد النواب أو الأعيان عبر عن ذلك بمقتضى المادة (86/1) من الدستور على ما يلي " لا يوقف احد النواب أو يحاكم الا بوجود سبب كافٍ لتوقيفه أو لمحاكمته أو ما لم يقبض عليه في حالة التلبس ...الخ " الا أن النظاميين الداخليين لمجلسي الأعيان والنواب اللذين جاءا لتنفيذ الدستور قد أورد مصطلح الحصانة فتحت عنوان رفع الحصانة , نصت المادة (113) من النظام الداخلي لمجلس الأعيان : " لا يجوز خلال دورة انعقاد المجلس ملاحقة العضو جزائيا أو اتخاذ إجراءات جزائية أو ادارية بحقه أو القاء القبض عليه أو توقيفه الا باذن المجلس باستثناء حالة الجرم الجنائي المشهود ."
كما نصت المادة (146) من النظام الداخلي لمجلس النواب تحت عنوان " الحصانة النيابية على ما يلي : " لا يجوز خلال دورة انعقاد المجلس ملاحقة العضو جزائيا أو اتخاذ إجراءات جزائية أو إدارية بحقه أو القاء القبض عليه أو توقيفه الا بإذن المجلس باستثناء حالة الجرم الجنائي المشهود , وفي حالة القبض عليه في هذه الصورة يجب إعلان المجلس بذلك فورا ً وهذان النصان يجب أن يقرآ مع المادة (86/1) من الدستور المتعلقة بالحصانة الإجرائية .
ثانيا : يشتركون جميعا في أن لكل واحد منهم أعيان ونواب ووزراء حصانات سياسية وإجرائية , نصت على الحصانات السياسية للعيان والنواب المادة (87) من الدستور , " لكل عضو من أعضاء مجلس الأعيان والنواب ملئ الحرية في التكلم وإبداء الرأي في حدود النظام الداخلي الذي هو منتسب اليه ولا يجوز مؤاخذة العضو بسبب اي تصويت أو رأي يبديه أو خطاب يلقيه في أثناء جلسات المجلس " والجدير بالذكر أن حق رئيس الوزراء والوزراء في الكلام والرأي أمام المجلس النيابي وفي لجانه هو حق دستوري أيضا , باعتبارهم مسئولين أمام مجلس النواب مسئولية مشتركة عن السياسة العامة للدولة , كما أن كل وزير مسئول أمام مجلس النواب عن أعمال وزارته بمقتضى المادة (51) من الدستور , كما أن المادة (52) من الدستور نصت على أن " لرئيس الوزراء أو للوزير الذي يكون عضوا في احد مجلس النواب والأعيان حق التصويت في مجلسه وحق الكلام في كلا المجلسين , أما الوزراء الذين ليسوا من أعضاء احد المجلسين ,
فلهم أن يتكلموا فيهما دون أن يكون لهم حق التصويت , وللوزراء أو من ينوب عنهم حق التقدم على سائر الأعضاء في مخاطبة المجلسين ... الخ " .
والجدير بالذكر أن المادة (62/أ) من النظام الداخلي لمجلس النواب قد نصت على هذا المعنى في قولها " للجنة أن تطلب استدعاء الوزير المختص أو مقدم الاقتراح أو من ترى لزوم سماع رأيه".
كما ورد نص الفقرة (ب) من المادة ذاتها على هذا المعنى في قولها " لكل من الوزير المختص ومقدم الاقتراح حق حضور اجتماعات اللجنة إذا طلب ذلك , وعليها أن تبلغه بموعد الاجتماع لبحث الموضوع الذي يتعلق به , ولكل منهما حق الاشتراك في المناقشة , وإذا تعدد مقدمو الاقتراح فلهم أن ينيبوا عنهم احدهم لحضور الاجتماعات .
كما أن النظامين الداخليين لمجلسي الأعيان والنواب قد أجازتا لهما السماح للوزراء بحضور جلسات المجلس والسماح لهم بالكلام كلما طلبوا ذلك .
أما الحصانات الإجرائية فقد وردت في المادة (86/1) من الدستور بخصوص الأعيان والنواب , في حين ورد النص عليها بالنسبة للوزراء في المادة (56) من الدستور .
ثالثا : تعتبر الحصانات مفترضة بالنسبة للأعيان منذ بدء تعيينهم وكذلك الوزراء , أما النواب فتعتبر حصاناتهم قائمة منذ بدء انتخابهم , فهم يتمتعون بها بمجرد انتخابهم ولو لم يكن قد فصل بعد في صحة انتخابهم عند الطعن بها , حيث لا تتعطل الحصانة بالطعن في صحة انتخاب احدهم أو بعضهم الا إذا أعلن بطلان عملية الانتخاب بأكملها , عندئذ تزول صفة النيابة ومعها الحصانة بالنسبة للجميع.
والجدير بالذكر أن القضاء هو الذي يختص بحق الفصل في صحة نيابة أعضاء مجلس النواب بمقتضى المادة (71) من الدستور ...الخ .
وتطبيقا لما تقدم , نصت المادة (22) من النظام الداخلي لمجلس النواب على انه : " يعتبر المنتخب نائبا ويمارس حقوق النيابة منذ إعلان نتيجة الانتخاب .
رابعا : لا ترفع الحصانة بالنسبة للوزراء والأعيان والنواب الا بالأغلبية المطلقة من الجهة المختصة, حيث نصت المادة (56) من الدستور على انه " لمجلس النواب حق إحالة الوزراء إلى النيابة العامة مع إبداء الأسباب المبررة لذلك ولا يصدر قرار الإحالة الا بأغلبية الأعضاء الذي يتألف منهم مجلس النواب " .
وقد وردت هذه المادة بعد المادة (55) من الدستور التي تقصر الحصانة على الجرائم الناتجة عن تأدية خدمات الوزراء , وبمفهوم المخالفة إذا كانت الجريمة المسندة إلى احد الوزراء ليست ناجمة عن تأدية خدماته , ولكنها وقعت إثناءها , فلا يكون الوزير مشمولا بالحصانة , ويعامل كما يعامل الشخص العادي من حيث اتخاذ الإجراءات الجزائية بحقه .
وعليه , فان الحصانة الإجرائية لا ترفع عن الوزير الا إذا توافرت بحقه الأسباب المبررة لإحالته للنيابة العامة , الأمر الذي يفهم منه أن كل ما يملكه المجلس النيابي هو حق إحالة الوزير على النيابة العامة دون حق اتهامه , وهو ما كان يملكه في ظل النص الدستوري الذي كان ساريا قبل تعديله عام 2011 م . فلم يعد للمجلس النيابي بعد التعديل الدستوري فحص أدلة الاتهام من حيث موضوعه ليقدر أدلته ومدى احتمال الإدانة بناء عليها , إذ أن ذلك من شان سلطات التحقيق والمحاكمة . فإذا ما تقرر حق الإحالة على النيابة العامة من قبل المجلس النيابي أصبح شان الوزير شان اي شخص عادي , حيث يجوز أن تتخذ ضده جميع الإجراءات الجزائية من توقيف وقبض وتفتيش وإقامة الدعوى العامة ضده .
وكذلك الشأن بالنسبة للأعيان والنواب فلا ترفع الحصانة الإجرائية عن النائب أو العين الا ذا صدر قرار من المجلس الذي ينتمي إليه بالأغلبية المطلقة تطبيقا للمادة (86/1) من الدستور في قولها " لا يوقف احد أعضاء مجلسي الأعيان و النواب ولا يحاكم خلال مدة اجتماع المجلس ما لم يصدر قرار بالأكثرية المطلقة بوجود سبب كاف ٍ لتوقيفه أو محاكمته أو ما لم يقبض عليه في حالة تلبس غي جريمة جنائية وفي حالة القبض عليه في ذه الصورة , يجب إعلام المجلس بذلك فورا ً.
والجدير بالذكر أن الدستور لم يحدد أسباب التوقيف الأمر الذي يقتضي من المجلس الاستعانة بنص المادة (114/1) من قانون أصول المحاكمات الجزائية التي تستلزم لغايات إصدار التوقيف بحق المشتكى عليه وجود أدلة كافية تربط المتهم بالواقعة المسندة إليه ., فوجود هذه الأدلة شرط جوهري لازم للتوقيف , فإذا تبين وجود سبب كاف للتوقيف تم إصدار القرار بذلك وإلا فلا , مع ملاحظة انه قد ورد في مطلع النص القانوني أن التوقيف تدبير استثنائي .
وإذا كان يعني نص المادة (86/1) من الدستور عدم جواز ملاحقة العين أو النائب أثناء اجتماع المجلس اي إثناء دور انعقاد ما لم يقرر هذا المجلس أن هناك سببا كافيا لتوقيفه أو ملاحقته , الا أن ذلك يعني جواز ملاحقة العضو بعد انتهاء اجتماع المجلس أو بعبارة أخرى بعد انتهاء دور انعقاده , حتى وان كان قد تقرر عدم جواز ملاحقته إثناء دور انعقاده وذلك لصراحة النص المنوه عنه أعلاه , خلافا لما هو عليه الحال بالنسبة للوزير , فمتى ما قرر المجلس النيابي عدم إحالته على النيابة العامة, امتنعت ملاحقته بشكل مطلق فيما بعد .
خامسا : أن الحصانات السياسية أو الإجرائية مقررة للمصلحة العامة وتبعا لذلك متعلقة بالنظام العام ويترتب على هذا أن الإجراءات التي تتخذ ضد عضو مجلس الأمة أو احد الوزراء تعتبر باطلة قبل رفع الحصانة عنه ولا يمنع بطلانها رضاء العضو باتخاذها أو تنازله عن حصانته , وإذا رفعت الدعوى العامة قبل رفع الحصانة يجب الحكم بعدم قبولها لبطلان في الإجراءات , وتقضي المحكمة في البطلان من تلقاء نفسها حتى ولو لم يثر هذا البطلان من احد , كما يصح الدفع بالبطلان في أية حالة كانت عليها الدعوى العامة ولو لأول مرة أمام محكمة التمييز .
والأصل أن تطلب السلطات القضائية عن طريق وزير العدل من مجلس الأمة رفع الحصانة عن العضو الذي يسند إليه ارتكاب الجريمة لكن ما جري العمل عليه لدينا هو أن وزير العدل لا يخاطب رئيس مجلس الأعيان أو النواب مباشرة , ولكن يقوم بتوجيه كتاب إلى رئيس الوزراء بهذا الخصوص , حيث يقوم رئيس الوزراء بتوجيه الطلب إلى رئيس مجلس الأعيان أو النواب بحسب ما إذا كان المسند إليه الجرم عينا أو نائبا , حيث يتعين على المجلس المعني بحث كل طلب يقدم إليه من هذا النوع ولا يوافق على رفع الحصانة الا إذا توافرت الأسباب الكافية للتوقيف أو المحاكمة بالنسبة إلى العين أو النائب وتوافرت الأسباب المبررة للإحالة إلى النيابة العامة بالنسبة للوزير .
وسبب قيام مجلس الأعيان أو النواب لبحث هذه الطلبات وتوفير مقتضياتها , هو الحيلولة دون تعطيل أحكام القوانين لصالح فئة من المواطنين ولو كانوا يقومون بأعباء وكالة عامة لا سيما أن الدستور الأردني نادى بمقتضى المادة 6/1 منه بالمساواة في الحقوق والواجبات والمواطنين .
فإذا تقرر رفع الحصانة عن العين أو النائب أو الوزير , فان محاكمته تقتصر على هذا الفعل الذي رفعت الحصانة من اجله ولا يجوز أن تمتد المحاكمة إلى أفعال أخرى تطبيقا للمبدأ المعروف بمبدأ التخصص .
أما سبب الحرص على توافر هذه الأسباب هو التحقق من جديتها وانتفاء اي مؤامرات سياسية يمكن تحاك ضد العضو وخاصة عضو المجلس النيابي .
والجدير بالذكر ايضا انه ما لم يصدر قرار قضائي بحجز حرية النائب فانه يظل يمارس أعباء النيابة بصورة عادية لان محاكمته جزائيا لا تعني وقف نيابته .
أما بالنسبة للوزير فان الأمر يختلف حيث نصت المادة (57) من الدستور على ما يلي " يوقف عن العمل الوزير الذي تتهمه النيابة العامة اثر صدور قرار الإحالة عن مجلس النواب ولا تمنع استقالته من إقامة الدعوى عليه أو الاستمرار في محاكمته . "
أستاذ القانون الجنائي / الأردنية
عميد كليتي الحقوق في الجامعة الأردنية وعمان الأهلية سابقا
الحائز على جائزة الدولة التقديرية في العلوم القانونية لعام 1993
عضو محكمة التمييز الأردنية سابقا
وزير دولة لشؤون رئاسة الوزراء و التشريعات سابقا
عضو المحكمة الدستورية الأردنية سابقا