الثقافة الكونية والابتكار
د. سامي الرشيد
26-12-2019 09:47 AM
ان الانسانية تنتقل عبر عملية معقدة ومركبة باتجاه صياغة مجتمع عالمي جديد تحت تأثير الثورة الكونية .
هذه الثورة الكونية تأتي في التعاقب التاريخي للثورات المتعددة التي شهدتها الانسانية عقب الثورة الصناعية ،وكانت البدايات الاولى تتمثل في بزوغ ما اطلق عليه الثورة العلمية والتكنولوجية، والتي جعلت العلم للمرة الاولى من تاريخ البشرية قوة اساسية من قوى الانتاج تضاف الى الارض وراس المال والعمل .
بدأت ملامح المجتمعات الصناعية المتقدمة تتغير بالتدريج ،ليس في بنيتها التحتية فقط ، ولكن في اسلوب الحياة وانماط التفكير ونوعية القيم السائدة واساليب الممارسة السياسية .
منذ ستينات القرن الماضي ذاع مصطلح جديد اطلقه بعض علماء الاجتماع الغربيين ومن ابرزهم دانيل بيل لوصف المجتمع الجديد وهو المجتمع ما بعد الصناعي ،غير انه مع مرور الزمن تبين قصور هذا المصطلح عن التعبير عن جوهرالتغير الكيفي الذي حدث .
ومن هنا وضع العلماء الاجتماعيون مصطلحا آخر ،رأوا انه اوفى بالغرض وأكثر دقة في التعبير وهو مصطلح مجتمع المعلومات .
تعرف الثقافة بأنها البعدالرمزي – التعبيري للبناء الاجتماعي وهي تقوم بتوصيل المعلومات للأفراد عن الالتزامات الملزمة أخلاقيا ،وهي بدورها تتأثر ببنية هذه الالتزامات .
ان المدخل التعبيري لا يركز على المعلومات التي يتم نقلها للافراد مباشرة ،بقدر تركيزه على الرسائل التي قد تكون مضمرة في الطرق التي تنظم بها الحياة الاجتماعية ،في ضوء سمات بمجتمع المعلومات الكوني الذي يعبر في شكل عام عن اتجاه تطور المجتمع الانساني ،وللتحليل الثقافي باعتباره المنهجية الملائمة لدراسة وتحليل وتفسير التغيرات الكبرى التي حدثت في العالم .
ان الثورة الكونية للتعبير عن مجمل حركة الانقلاب في الاوضاع العالمية ،ليس ثورة وحيدة البعد ولكنها ثورة مثلثة الجوانب في الواقع ،فهي أولا ثورة سياسية شملت النظم السياسية المعاصرة والعلاقات الدولية على السواء ويمكن تلخيصها في عبارة واحدة ،هي انها تحول من الشمولية والتسلطية الى الليبرالية ومن صر اع الفناء الى صراع البقاء .
هي ثانيا ثورة في القيم وتحول القيم المادية الى القيم المعنوية .
هي ثالثا:ثورة معرفية تنطوي على الحداثة الى عالم ما بعد الحداثة .
ان ثورة العلم والتقدم به تحتاج الى البحث والتطوير ،وصياغة الخطط الاستراتيجية لتحديث منظومة البحث العلمي واصلاح اطاره التنظيمي وتأمين التمويل اللازم للبحث العلمي وتشجيعه ودعمه .
هناك اختلالات في تقدم البحث العلمي وهي كما يلي :
1-تعد ثقافة البحث والتطوير العلمي من الاصول غير الملموسة ذات التأثيرات المتسعة في معدلات اداء منظومة البحث والتطويرالعلمي ،ويمثل القصور في هذه الثقافة وعدم انتشارها عائقا مهما في تحقيق التوجهات البحثية الحديثة المواكبة لعصر المعرفة بالألفية الثالثة ،وتعود أهمية ثقافة البحث والتطوير الى كونها منظومة مجتمعية شاملة ،تبدأ برأس المال البشري وما يمثله من تراكم معرفي وخبرات علمية ،وتتضمن انشطة الانتاج السلعي والخدمي ومؤسسات المجتمع المدني الاخرى وما تمتلكه من اساليب حديثة لانتاج المعارف وادارتها ونشرها .
2- مناهج التعليم والتعلم بحاجة لتحديث وخاصة في مرحلة ما قبل الجامعة واعادة هيكلتها بما يسمح بغرس قيم وثقافة البحث والتطوير لدى الطلاب وتعزيز قدراتهم في المجال المعرفي .
3-مراجعة البرامج التعليمية والبحثية بمنظومة التعليم العالي ،بهدف تنمية قدراتهم على التفاعل مع المتغيرات الديناميكية باسواق العمل المعرفية ،والفقرات السريعة في مجال العلوم والتكنولوجيا من خلال اكسابهم مهارات البحث العلمي والتطوير والابتكار .
4- تنمية ثقافة البحث والتطوير لدى رجال الاعمال وقيادات القطاع الخاص والتأكيد على تأثيره الموجب في مجال تطوير المنتجات التي تتواءم مع التغيرات التكنولوجية السريعة وابتكار اساليب اكثر حداثة للانتاج والتسويق والادارة بما يسهم في استدامة العملية الانتاجية .
5- تمثل وحدات البحث والتطوير العلمي بما تقدمه من تطوير للعملية الانتاجية وتحديث لمخرجاتها وتنمية لتوجهها نحو الابتكار التكنولوجي ،احدى القوى الدافعة الرئيسية التي تسهم في الانتقال الى اقتصاد المعرفة كمكون رئيسي للعصر المعرفي بالألفية الثالثة .
6- تعتمد الصناعات ذات القيمة المضافة العالية الممثلة لعصر الحداثة والتقدم العلمي والتكنولوجي على تعظيم الانفاق على البحث والتطوير من خلال وحداته المتخصصة ،حيث تمثل وحدات البحث والتطوير بالقطاعات الانتاجية سمة رئيسية للصناعات عالية القيمة المضافة في هذا الشأن .
7-تشجيع الباحثين بالجامعات الا يركزوا ابحاثهم فقط على الابحاث ذات الفائدة للترفيع والترقي للباحث ،دون علاقة البحث بالمؤسسات الانتاجية والخدمية للبلد .
بعد ذلك يجب الا نخلط بين العلم والجهل وبين البساطة والسطحية ,حيث الانسان مكون من كم معقد من العوامل المتداخلة والمتفاعلة ،وهي مجمل مواقفه وأخلاقياته وسلوكياته،وموقفه من الانتماء الى وطنه والمشار كة المخلصة في مواجهة تحدياته ورحابة نظرته الى غيره بوضوح وتسامح،وعدم التحول الى العداء والبغضاء عند الاختلاف ،ورفضه لثلاثية التطرف والعنف والارهاب .
هو انسان يمكن الاطمئنان اليه والعيش المشترك معه ولذلك كله يستحق المجد،وهو ليس انسانا افتراضيا لكنه متواجد في أنحاء البلد طولها وعرضها ،وهو يعاني من واقع صعب وظروف اقتصادية صعبة وهويأمل في مستقبل أفضل ،وفي كل ذلك لديه بوصلة حضارية يتخذ مؤشراتها دائما نحو صالح الوطن ،وهو مثقف عضوي بالمعنى الحياتي الواسع للثقافة سواء أكان تعليمه عال ام متوسط ،فهو يواجه التحديات المصيرية لوحدة الصف والهدف الذين يؤمنون بحرية التفكير والتعبير والابداع .
هؤلاء الناس هم الذين يطورون ويشجعون الابحاث ويعملون على رفع شأن المجتمع والعمل على ايصال المعلومات للافراد بالشكل الصحيح ،لخلق أدوات صحيحة وبنية تحتية قوية تؤسس لوطن يخدم الجميع بشأن عال .
dr.sami.alrashid@gmail.com