الصورة الأولى: مشهد أردنيّ معبّر
لو قُيّض لنا أن نقوم بمسابقة لأجمل صورة معبّرة في هذا العام مع الاحتفالات الرائعة التي عمّت محافظاتنا العزيزة في هذا الوطن الحبيب، لرشحت صورة جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين حفظه الله يجلس في بيت أردنيّ مسيحيّ. ليس لأنه مسيحي، بل لأنه يعبّر عن حميمية اللقاء حيث قدّم جلالته التهاني بحلول عيد الميلاد المجيد لهذه العائلة في اربد والمعروف عنها أيضًا بأنها تقوم بمبادرات جميلة خلال شهر رمضان المبارك.
وللتذكير ابتدأ عيد الميلاد المجيد ليكون عطلة رسميّة لجميع المواطنين الأردنيين في العام 1999، منذ تسلّم جلالة الملك عبدالله الثاني سلطاته الدستورية، فبالتالي عندما نحتفل بعشرينية جلوس جلالته على العرش فإننا نحتفل أيضًا بمرور عشرين عامًا على إبراز عيد الميلاد المجيد كعطلة رسميّة لجميع المواطنين.
الصورة الثانية: شجرة الميلاد في أم جمال
الصورة الثانية هي مشاهد الاحتفالات الوطنية التي عمّت أرجاء الوطن، وبالأخص هذا العام، حيث برزت أماكن جديدة أضيئت فيها لأول مرّة شجرة الميلاد، مثل مدينة أم الجمال الأثرية، والتي تعبّر عن الصلة بين الماضي العريق والحاضر المبشّر بمستقبل رائع. ماض عريق لأنها مدينة الكنائس القديمة، ومدينة مشهود لها بأصالة التواجد المسيحي فيها منذ القرون الأولى للمسيحية. لذلك عندما تضاء شجرة الميلاد في هذا الموقع التاريخي فإنها رسالة للأردنيين أولاً، ولكنها ايضا رسالة لضيوف الأردن الذين يزورون هذا الموقع نظرًا لأهمية التاريخية، ف?رَون أن الأردن يحتفل بالميلاد كأسرة واحدة ويرسل رسالة ايجابية للعالم.
الصورة الثالثة: العودة الى الجذور
إلا أنّ الاحتفال المشترك ليس احتفالاً عاطفيًا، أو احتفال جيران مع بعضهم البعض، إلا أننا نعود إلى الأصل. والأصل موجود في الإنجيل المقدس، كما هو موجود في القرآن الكريم، وهو هذا التبجيل لميلاد السيد المسيح لكي يؤسس لقيمة روحيّة مشتركة ما بين المسلمين والمسيحيين في العالم أجمع، تعزّره الاحتفالات الخارجية والمعبّر عنها بإضاءة شجرة عيد الميلاد والزينة المنثورة في مختلف أرجاء الوطن العزيز.
جميلة جدا المشاركة الوجدانية، الا انّ الأجمل هو في العودة الى الجذور، وفي تأسيس علاقات متينة بين أتباع الاديان مبنية على معطيات الكتب المقدسة أولا، وعلى التضامن الانساني ثانيا.
الصورة الثالثة: الميلاد في العراق
إلا أننا في هذا العيد لا يمكن أن نحصر صلواتنا ونيّات الشعائر الدينية فقط بالداخل الأردني، فهنالك أيضًا دول عربية شقيقة، مع كل أسف، اقتصرت الاحتفالات على الشعائر الدينية وخلت شوارعها من زينة العيد، ونخص بالذكر في العراق الشقيق، حيث طلب البطريرك الكلداني لويس ساكو، بالمشاركة مع رؤساء الكنائس في بلاد الرافدين، بألا تكون هنالك احتفالات خارجية تقديرًا واحترامًا لدماء الشهداء والأوضاع الصعبة التي تمرّ بها البلاد.
صلواتنا في هذا اليوم، يوم الميلاد المجيد، بأن يعود الاستقرار إلى العراق، وكذلك إلى لبنان الشقيق الذي يعيش مخاضًا سياسيًا، لكي يقطف ثمار ثورته الشعبية. وكذلك لا ننسى الصلاة من أجل الشقيقة سورية لكي تتعافى كلية بعدما شاهدنا مظاهر احتفالات رائعة قد عادت إلى البلاد في هذا العام. كما تمتد صلواتنا إلى ليبيا وإلى اليمن، وإلى كل منطقة تحتاج في هذا العالم إلى صلاة خاصة من أجل عودة الاستقرار والأمان فيها. وهنا أكرّر ما ارسله الي الاستاذ محمد السماك رائد الحوار الاسلامي المسيحي في لبنان:
«بميلاد المسيح تولَد المحبة..
بولادة المحبة يولَد السلام..
بالحب والسلام تولَد الانسانية »..
وأخيرا، أقدم هذا المقال الميلادي لروح أستاذي الحبيب الاب العلامة بيتر مدورس الذي غادر هذه الارض، قبل ايام، من مدينة القدس، بعد سنوات حافلة بالعطاء الكهنوتي والانساني والثقافي. رحمه الله ورحم أرواح الراقدين الذين تركوا لنا ارثا نفتخر به من الايثار والمحبة والفكر الحكيم.
ولد المسيح... هللويا
الرأي