تمثال الشمعة (ليننغراد) في القدس الغربية
د.حسام العتوم
24-12-2019 11:25 AM
تعودنا على أن (اسرائيل) التي فرضت ذاتها قسراً وعنوة على منطقتنا العربية والشرق أوسطية عبر عصبة الامم المتحدة وبسلاح الحرب، وتحديداً على أرض فلسطين، وباقي أراضي العرب، ومنها فوق الهضبة السورية (الجولان)، وعلى مزارع وتلال (شبعا) اللبنانية، وهي التي في حالة كر وفر مع غزة فلسطين، وغازية لها باستمرار بحكم تموضع المقاومة الفلسطينية فيها مثل (حماس)، و (الجهاد) وغيرهما، ولكون أن اسرائيل كانت محتلة لجنوب لبنان قبل عام 2000، ولسيناء مصر عام 1967، ولغزة قبل عام 2005، ولمنطقتي (الباقورة، والغمر) الاردنيتين قبل عام 2019 وتحت مظلة معاهدة السلام الاردنية – الاسرائيلية 1994.
ولأن العقلية الإسرائيلية ممثلة بأكبر أحزابها مثل (الليكود)، و (أزرق – أبيض) حاليا، احتلالية، وعدوانية، واستيطانية، وتتصرف على أن نظامها السياسي غير الشرعي في تل ابيب يعمل فوق القانون، وبطريقة (الكابوي) الذي تتشابه مع الولايات المتحدة الأمريكية فقط، ومع حراك صفقة القرن المشؤومة التي تدير رماله امريكا علنا، وبالتعاون مع (إسرائيل)، والصهيونية العالمية انطلاقاً من مؤسسة العلاقات الامريكية – اليهودية (الايباك) المؤسسة عام 1955، اصبح الاعتقاد لدينا نحن العرب، وتحول إلى انطباع مفاده بأن (اسرائيل) قد تجازف بتثبيت نصب (حصار ليننغراد) الذي سيدشنه رئيس الفدرالية الروسية فلاديمير فلاديمروفيج بوتين في نهاية شهر كانون الثاني – خارج القدس الغربية باتجاه شرقها، وهو الذي لم يحدث والحمد لله، وثبت بأن النصب التذكاري هذا لحصار ليننغراد (1941-1944) قد تم نصبه فعلا هذا العام 2019 في القدس الغربية تحت اسم تمثال (الشمعة) بحضور رئيس بلديتها موشيه ليون، ونائب محافظ مدينة سانتك بيتر بورغ، والسفير الروسي في إسرائيل اناتولي فيكتاروف، وآخرون من الممثليات اليهودية بجانب القصر الرئاسي الإسرائيلي، وهو الذي تم إعداده عام 2017 ليخاطب سكان إسرائيل - شتات الداخل اليهودي خاصة التي تعود جذورهم الديموغرافية – العرقية لروسيا، وللاتحاد السوفيتي السابق، وبحجم 1.3 مليون مهاجر، وليدحض الإشاعة المنتشرة وسطهم، والراسخة لديهم بأن أمريكا هي من حققت النصر في الحرب الوطنية العظمى (الثانية) عام 1945، بينما واقع المعركة أثبت بأن السوفيت بقيادة روسيا، وبفاتورة من الشهداء بلغت 27 مليون إنسان، هم أصحاب النصر على النازية الهتلرية الألمانية الغازية، وهم من رفعوا اعلام السوفييت فوق الرايخ الالماني وقتها عام 1945، وبأن أمريكا التحقت بالحرب نهاية الشوط الثاني من زاوية تموينها عسكرياً لتضمن لاحقاً انفرادها في سلطة العالم بعد انهيار الاتحاد السوفيتي عام 1991، وهو ما حصل فعلاً، وتحولت روسيا باسم الشرق إلى سلطة المعارضة.
والآن وانطلاقاً من هذا العام 2019 تنبأ الرئيس بوتين بحدوث انهيار لمنظومة الاتحاد الأوروبي عام 2028، خلال حديث له في جلسة منتدى استثمار رأس المال في موسكو، وعلى غرار الانهيار السوفيتي.
وروسيا بالمناسبة انفردت علنا وسط الدول العظمى، وكونها تمثل أكبر دولة نووية عملاقة إلى جانب أمريكا إن لم تتفوق عليها سراً ونوعاً، بالاعتراف بالقدس الشرقية عاصمة لدولة فلسطين، وبحدود الرابع من حزيران 1967، وبحل الدولتين تماماً كما تريد السلطة الفلسطينية، والأردن، وكل العرب مسلمين ومسيحيين، وبتجميد المستوطنات اليهودية غير الشرعية، وبدراسة حق العودة والتعويض، وبرفض أسرلة الجولان، الهضبة السورية المحتلة منذ عام 1967.
واختلفت روسيا عن أمريكا في التدقيق في صورة أمن إسرائيل، فهي تعتبر بأن الأمن مرتبط بالسلام مع العرب، ومع إسرائيل في إطار حدودها عام 1948، وهي تختلف في مسار تفكيرها هذا عن أمريكا بطبيعة الحال المنحازة بالمطلق لتل أبيب وعلى حساب العرب ومستقبلهم السيادي.
واستغرب هنا الدور الأمريكي في معاهدتي السلام الأردنية - الإسرائيلية عام 1994، والمصرية الإسرائيلية عام 1979 ما دام دورها السياسي غير عادل، وغير منصف بعد توقيعهما علنا، ويجري جهاراً نهاراً عرقلة السلام الفلسطيني – الإسرائيلي تحت العيون الأمريكية المحدقة في أمن اسرائيل من جانب واحد، بينما هي القضية الفلسطينية العادلة، قضية العالمين، والحضارتين الاسلامية، والمسيحية معاً، وبكامل عمقهما الديموغرافي والجغرافي، والايدولوجي، والسياسي، والاقتصادي.
وفي ذات الوقت سيلتقي في القدس الغربية الرئيسان الروسي بوتين والأمريكي ترمب نهاية يناير المقبل حول مناسبة ذكرى المحرقة النازية اسناداً منهما وباسم دولتيهما العظيمين لمأساة اليهود إلى جانب السوفييت وأوروبا تاركان خلفهما سعير الحرب الباردة التي ترفضها روسيا إلى جانب تصعيد سباق التسلح ومنه النووي والفضائي، بينما تتمسك بها أمريكا وتجر خلفها أوروبا وحلف الناتو العسكري، في زمن تسير به روسيا من دون حلف أو أحلاف عسكرية، وتعتمد في قوتها على جيشها الأحمر، وعلى بحريتها فقط، وتثق بأنه لا توجد قوة في العالم وتشمل امريكا بطبيعة الحال تستطيع تطويق روسيا أو تهديد أمنها في زمن تمتلك فيه قوة نووية عملاقة تتوازن مع أمريكا تحديداً، ولكل دولة منهما أسرارها بكل تأكيد.
والأهم بالنسبة لنا نحن العرب هو أن تتمكن روسيا من إقناع أمريكا عبر القنوات السياسية، والدبلوماسية لإنصاف القضية الفلسطينية، وإقامة دولتها، وعاصمتها القدس الشرقية، والتي تشكل مفتاحاً حقيقياً للسلام في الشرق الأوسط، والعالم، رغم أننا نحن العرب مؤمنون تاريخياً وعاطفياً، وقومياً، بأن القدس كلها لنا.